بعد أن ظلّت مغلقة لسنوات بسبب أشغال إعادة الترميم: حلبة مصارعة الثيران بـ “الطورو” ستفتح أبوابها من جديد
** تزامنا و العد التنازلي على انطلاق العرس المتوسطي
قبل أيام معدودة وبدأ العد التنازلي على انطلاق فعاليات الطبعة الـ19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي تستعد لها عاصمة الغرب الجزائري وهران تعتزم السلطات المحلية على إعادة فتح أبواب حلبة مصارعة الثيران أمام الجمهور بعد أن ظلت مغلقة لسنوات بسبب أشغال إعادة ترميم.
الإجراء وقرار إعادة فتح هذا الصرح المعماري والتاريخي لمنفرد بنوعه جاء قبل أشهر من انطلاق فعاليات العرس المتوسطي التي تستعد الباهية وهران لاحتضانها في الفترة الممتدة من 25 جوان إلى 6 جويلية والتي ستعرف مشاركة 26 دولة من حوض البحر المتوسط في 24 رياضة يتفرع عنها 204 اختبار رياضي ومشاركة ما يربو عن 4500 متنافس في هذا الحدث الرياضي الدولي المهم بالنسبة لولاية وهران خاصة والجزائر عامة سواءا من الجانب الرياضي أو الاقتصادي بتنشيط المجالات السياحية والعودة على المدينة بمداخيل مالية تساعد على مضيها قدما. وللإشارة فقد تم الاعتماد في ترميم هذا المعلم التاريخي المبني بالحجارة ومادة (التيف) المستخرج من منطقة “كوشة الجير” بوهران التقنيات القديمة المستعملة في تشييده مع استخدام نفس المواد الطبيعية منها الجير للحفاظ على صورته المعمارية الأصلية والنادرة في نفس الوقت ، كما أن عملية الترميم تمت وفق ما تنص عليه القوانين الخاصة بحماية وترميم المعالم الأثرية والتاريخية المصنفة على الرغم من أن هذا المعلم التاريخي غير مصنف وطنيا.
جوهرة معمارية و تاريخية منفردة من نوعها في الجزائر و أفريقيا
تعد حلبة مصارعة الثيران المعروفة باسم “لاكوريدا” من أهم المعالم التاريخية في وهران، وقد بُنيت سنة 1908 بطلب من الجالية الإسبانية المقيمة بوهران آنذاك، ويحمل الحي الذي تقع به الحلبة اسم “الطورو” أي الثور، قبل أن يتحول اسمه إلى حاليا إلى حي الأمير خالد، وقد حظي هذا المعلم التاريخي المتربع على مساحة تقدر بـ 4800 متر مربع ويبلغ محيطه 210 متر بتوسعة سنة 1954 لترتفع بذلك طاقة استيعابه من 7 ألاف إلى 10 آلاف متفرج وعندما تطأ أقدام أي زائر عتبة حلبة مصارعة الثيران بوهران تراودك صور ومشاهد لمباريات مصارعة الثيران وسط تصفيقات وهتافات المتفرجين لتشجيع المصارع (توريادور)، فقد احتضنت هذه الحلبة المتميزة بتصميم معماري ومساحة تضاهي تلك الموجودة بمدينة نيم (فرنسا) وببعض المدن الإسبانية عدة مباريات في مصارعة الثيران خلال الحقبة الاستعمارية قدمها مصارعون مشهورون على غرار لويس ميغال دومينغو حسب ما جاء في وثيقة تاريخة حول حلبة مصارعة الثيران بوهران. ولا يزال موسم مصارعة الثيران أو ما يعرف بـ “لا كوريدا” الذي كان يبدأ في فصل الربيع لينتهي في شهر نوفمبر منقوشا في الذاكرة الشعبية الوهرانية باعتبارها لعبة استحوذت على قلوب الفضوليين آنذاك وكانت هذه الحلبة تروي فصولا من تلك المنازلات التي كانت تحدث بين الثيران ومروضيها، والأبواب الخشبية شاهدة على تلك الأحداث التي كانت تقع على مرأى ومسمع الآلاف من المتفرجين. كما كان هذا المرفق في السابق مسرحا لعدة تظاهرات ثقافية وحفلات فنية ودورات رياضية. كما احتضنت الحلبة قبل ترميمها المكاتب الإدارية للديوان البلدي للرياضة وبعض الجمعيات ذات الطابع الرياضي وكذا محلات صغيرة يقوم الكثير من الحرفيين والفنانين التشكيليين باستخدامها لعرض أعمالهم الفنية، وهو ما جعل الإقبال على زيارة الحلبة يتضاعف بسبب بعض الفعاليات والمعارض التي كانت تنظم من حين إلى آخر. وتعرف مدينة وهران بالعديد من الآثار التي تؤكد على التواجد الإسباني الذي دام بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، وتواصل الحضور الإسباني طيلة المرحلة الاستعمارية الفرنسية. وقد ترك هذا التواجد الإسباني، مثلما يؤكد الكثير من الباحثين، أثره في الطبخ والموسيقى، وفي بعض التعبيرات المتداولة بوهران خاصّة لدى بعض الفئات كالصيادين، وكان الشيوخ في بعض أحياء وهران مثل حي سيدي الهواري يتكلّمون الإسبانية بطلاقة. ومما يضاعف من الأهمية التاريخية لحلبة مصارعة الثيران بوهران كونها الوحيدة في الجزائر والمنفردة من نوعها في أفريقيا. وقد احتضنت الحلبة سنة 1987 بعض الفعاليات في إطار تظاهرة “موسم سيدي الهواري” قبل أن يطالها التهميش مرة أخرى. وحسب العديد من الباحثين والمرشدين السياحيين فإن حلبة الثيران ” طورو” بوهران فريدة من نوعها في الجزائر وفي أفريقيا بسبب هندستها المتميزة، وإعادة افتتاحها تهدف إلى استقبال الزوار والسياح الذين هم على موعد لاكتشاف ثراء مدينة الباهية الحضاري ومعالمها الأثرية المتميزة على هامش ألعاب البحر الأبيض المتوسط هذه الصائفة، وقد خصصت لهم مرشدين ومرافقين يشرحون لهم كل الجوانب التاريخية المتعلقة بهذا المعلم الفريد من نوعه.
ن.بوريشة