رسالة السيد رئيس الجمهورية بمناسبة انعقاد المؤتمر الثاني عشر للمنظمـة الوطنية للمجاهدين
“بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أخواتي المجاهدات .. إخواني المجاهدين،
يُسعدني أن أَتوجَّه إليكم بخالص التحية وبالغ التقدير، وأنتم تَعقِدُون مؤتمرَكم الثاني عشر هذا، في الوقتٍ الذي يَستعدُّ فيه الشَّعبُ الجزائري، لإحياءِ الذِّكْرَى الستِّين لاستعادةِ السيادةِ الوطنية، بعد أسابيع قليلة.. وهي الذِّكرى التي ستَطْبَعُها فعالياتٌ احتفائية، واسعة ومُمْتدَّةٌ على مدارِ عامٍ كامل ..
وما كانَتْ جزائرُ المَجْد لِتَحْتَفي بستِّينيةِ استعادة سيادتها في أَجْواءِ الابتهاجِ والاعتزازِ .. وفي كَنَف السَّكينةِ والاستقرار، في هذه المرحلةِ التي تَشْهدُ ديناميكيةً مُتزايدة، لبَعْثِ تنميةٍ مُسْتَدامةٍ وحقيقيةٍ في كلِّ المجالات، لولا تضحياتُ بناتـِها وأبنائها، مُنْذُ أَنْ وطأتْ أقدامُ الاستعمارِ أرضَنا الطاهرة ..
وإنَّكُم – أخواتي إخواني، مِن أولئك الفَاعِلينَ والشَّاهِدين على ما قَدَّمَه شعبُنا الأبيُّ من تضحياتٍ جَسيمةٍ، إبَّانَ ثورةِ التحريرِ المجيدةِ، فأنْتم تَحْمِلُون في أذهانكم صُوَرَ المعاركِ البُطوليةِ، التي خُضْتُمُوها مع رُفَقائِكم الشُّهداءِ الأبرار، بَلْ إنَّ فِيكُمْ من في جَسَدِه أَمَارَةُ الشُّجْعانِ الأبطالِ، الذين أَقْدَمُوا على دَحْرِ الاستعمار، تعلُّقًا بالحُرِّيةِ والكرامةِ، ودِفاعًا عن شَرَفِ الوَطنِ والأُمَّة ..
وكَما كُنْتُم بالأمس مثالاً للوطنية الصِّرْفَة .. ونُكْرانِ الذات .. وحُبِّ الوطن .. فَإنَّكُمْ رَابَطْتم في بيتكم المُبارك هذا ( المنظمة الوطنية للمجاهدين)، مُنذ فجر الاستقلال حُرَّاسًا لأمانة الشهداء، ورسالةِ نوفمبر الخالدة .. لم تُثْنِكُم آثارُ نيرانِ الحرب الضَّروس، التي تَجَشَّمْتُم بقَنَاعةٍ وإيمانٍ مَشَاقَّها، عن مُواصَلةِ العطاءِ الوطني، لاسيَّما في المراحِلِ الصَّعْبةِ من حياةِ الأمة.
لَقَدْ كنتم – دائمًا – تَحْتَ سَقْفِ هذا البيت، حِصْنًا من الحُصون الغيورةِ على الوحْدَةِ الوطنيةِ، وتلاحم الشَّعب في أَحْلَك وأَصْعَبِ الظروف، وحَرصْتُم على إِشَاعَةِ رُوحِ الاحتكام إلى الحِكْمَة والعَقْل .. وتَغْليبِ المَصْلَحةِ الوطنية .. والوُقُوفِ بِحَزْمٍ للدفاع عن المصالحِ العُليا للأمة .. ولا غَرْوَ في ذَلك، فَمَازَالَ هَمْسُ الشُّهداءِ يَتردَّدُ في آذانِكم .. ومازالتْ صَيْحاتُ الله أكبر تُذكِّرُكم بنَبَراتِ أصواتِ رُفقائِكم الذين قَضَوْا أمام أَعْيُنِكُم في سَاحاتِ الوغى.
أيتها الأخوات الفضليات .. أيها الإخوة الأعزاء،
لقد آلَيْتُ على نفسي، مُنْذُ أَنْ حَظيْتُ بشرفِ ثقة الشعب، أَنْ أولي كلَّ الرعاية للتَّاريخِ والذَّاكرةِ الوطنية، مُدْرِجًا هذا المَسْعى في خَانَةِ الواجبِ الوطني، الذي يُمْلِيه عليْنا الوفاءُ لنضالِ وكفاحِ رُفَقَائِكم الشُّهداءِ الأبرار، وهُوَ مَا يُعبِّر في الوقتِ نفسِه عن التَّقْدِيرِ والإجلال لكم أنتم، وقَدْ صَنَعْتُم معهم ملحمةً ثوريةً خالدةً تَردَّدَ صَداها في كُلِّ أصقاعِ الدنيا .. ومازَالتْ منارةً للحريةِ والانعتاق، وإنَّنا إذْ نُشِيدُ في هذا المقامِ بما قَدَّمْتُمُوها وتُقَدِّمونَه من مُساهماتٍ ثمينةٍ لكتابةِ التاريخ وإحياءِ الذاكرة مِنْ خلالِ تسجيلِ الشهادات، والتوثيقِ للأحداثِ والوقائع، و نَعْتزُّ بالمواقف الأصيلة الشجاعة لمنظمتكم في الدفاع عَنْ إرثِ الأُمّةِ وتاريخِها المجيدِ، وهُوِّيتِها الوطنية، نُؤكِّدُ بهذه المناسبة على ضَرُورةِ تَعَهُّدِ الأخوات والإخوة المجاهدين بِمَا يَسْتَحِقُّونَ من عنايةٍ وتكريمٍ، في جزائرَ تَتَّجِهُ نحو تَرْسيخِ ثقافةِ العرفانِ، وتمتينِ اللُّحْمَةِ الوطنية، وتَقْويةِ وتحصين الجبهة الداخلية في عالمٍ مَفْتوحٍ على الإضطرابِ والتقلُّبات .. وفي سياقٍ جهويٍّ ودوليٍّ، مُعقَّدٍ ومُنذِرٍ بالمخاطر، يَسْتوجِبُ إخلاصَ الإرادةِ، وشَحْذِ الهِمَمِ، ووحدةِ الصَّفِ، لمُجابهة التحديات .. وبناءِ الجزائر القوية المنيعة.
تحيا الجزائر
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.”