التفجيرات النووية بـرقان : تفعيل الجانب الأكاديمي لفضح مناورات فرنسا الإستعمارية
أجمع مهتمون بملف التفجيرات النووية الفرنسية بأدرار على ضرورة تفعيل الجانب الأكاديمي والعلمي لفضح مناورات فرنسا الاستعمارية حول هذا الملف و منعها من الإفلات من المسؤولية القانونية و الأخلاقية.
و أكد جامعيون وحقوقيون ومؤرخون عشية إحياء الذكرى أل 63 للتفجيرات النووية الفرنسية برقان (13 فبراير 1960), أهمية تفعيل الجانب الأكاديمي والبحث العلمي لفضح مناورات فرنسا الإستعمارية حول هذا الملف باعتبار أن هذا الجانب هو الوسيلة الكفيلة بإثبات الأدلة العلمية و الموضوعية و القانونية الدامغة ضد كل المغالطات المتعلقة بالتفجيرات النووية.
و أشار البروفيسور بعثمان عبد الرحمن (جامعة العقيد أحمد درايعية بأدرار) الى أن التفجيرات النووية الفرنسية بالجنوب الجزائري و منها منطقة رقان، كانت محفوفة بعديد المناورات التضليلية في الجانب السياسي و العلمي التي مارسها المستعمر الفرنسي للإفلات من المسؤولية القانونية و الأخلاقية المرتبطة بهذه الجريمة البشعة.
و دعا ذات المتحدث إلى التركيز أكثر على تفعيل الجانب الأكاديمي و البحث العلمي لفضح تلك المناورات باعتباره الوسيلة الكفيلة بإثبات الأدلة العلمية و الموضوعية و القانونية الدامغة ضد كل المغالطات المتعلقة بملف التفجيرات النووية و انعكاساتها الوخيمة على واقع المنطقة، وذلك بدءا بإعادة تصحيح المصطلحات المزيفة حول هذه الجريمة التي حاول المستعمر وصفها ب “التجارب النووية” في انتقاء مدروس لهذا المصلح لإعطائها مدلول سلمي و كأنها أجريت داخل مختبر علمي بينما تلك التفجيرات التي شهد العالم على بشاعتها ارتبكت فوق ارض مأهولة بالسكان في جريمة غاب فيها الضمير الإنساني.
و من جهته, أبرز الأستاذ بلعروسي عبد الفتاح (جامعة أدرار) بأن التفجيرات النووية برقان أجريت في منطقة مأهولة بالسكان مزدهرة في مجال الفلاحة وتأتي ضمن سياسة الأرض المحروقة التي نفذتها فرنسا الاستعمارية، خاصة بعد الإنتصارات الكبيرة التي حققتها الثورة التحريرية المظفرة في أقصى الجنوب، مما بخر أحلام فرنسا في محاولتها لفصل الجنوب الجزائري و لدخول نادي الكبار.
و قد استباحت فرنسا الإستعمارية، يضيف ذات الجامعي، “الإنسان و الطبيعة لتقوم بجريمتها النووية التي فاقت قوتها التفجيرية أضعاف قنبلة هيروشيما (اليابان)، مخلفة نتائج وخيمة على الطبيعة والسكان ستستمر لآلاف السنين، حيث استنكرها المجتمع الدولي بينما رحب بها حلفاء فرنسا و الكيان الصهيوني لتبقى جريمة عالقة في جبين فرنسا للأبد”.
و أوضح الأستاذ بلعروسي أن اختيار فرنسا لمنطقة رقان يدخل ضمن “مخططاتها الخبيثة للمناورة بالجنوب الجزائري لإدراكها بأهميته الاستراتيجية و الاقتصادية حيث لجأت إلى تضليل الرأي العام العالمي بتواطؤ من حلفائها التقليديين لتنفيذ أجندتها الاستعمارية الرامية لبتر جزء من الجزائر و ترويع سكانها”.
و أفاد المتحدث ذاته بأن التفجيرات النووية لم تكن تجارب آمنة، كما ادعت فرنسا أمام الرأي العالمي، بل كانت تفجيرات نووية الحقت اضرارا جسيمة بالإنسان والبيئة ومنافية للقيم والأعراف .
و من جانبه, أوضح الباحث في التاريخ الدكتور لمحرزي عبد الرحمن أن ما جرى في تاريخ 13 فبراير 1960 وما تلته من تفجيرات نووية أخرى وصلت في مجملها إلى 17 تفجيرا بين سطحي وباطني من رقان إلى إنيكر (ولاية تمنراست)، جريمة ضد الإنسانية، حسبما عرفتها المادة 9/3 من اتفاق لندن المبرم بتاريخ 8 أغسطس 1945 و الذي أنشئت بموجبه محكمة + نورمبرغ+ الدولية لمحاكمة من ارتكبوا مجازر في الحرب العالمية الثانية.
و ذكر أنه من المؤكد من خلال الدراسات أن “يرابيع” الإجرام التي سلطت على منطقة رقان فاقت في حجمها كل التصورات بانتهاكها لكافة التقاليد والأعراف الدولية، معتبرا أنها محاولة جادة لإبادة جنس بشري بتعريضه للإشعاع النووي كحقل تجارب تم توزيعهم وفق نمط مدروس حول النقطة الصفر للتفجير وما حولها محددة ضمن ثلاثة مناطق.
و أردف الأكاديمي ذاته بأنه تم توزيع قلائد تحمل أفلام القياس للتعرض الإشعاعي ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل تعدوه إلى كل ما له علاقة بالطبيعة والإنسان، كأنواع الحيوانات المختلفة والطيور والحشرات وجميع أنواع المنتوجات الزراعية، وحتى توقيت التفجير كان متزامنا مع قمة العطاء الطبيعي، حيث تكون المنتوجات الزراعية بصدد إعطاء ثمارها.
و أكد نفس المؤرخ أن هذه الإجراءات المقصودة تدل على أن التفجيرات النووية كانت تستهدف الإنسان والطبيعة، وبالتالي فهي جريمة إبادة للجنس البشري، وفق ما جاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11 ديسمبر 1946 وعرفت على “أنها تلك التصرفات التي تستهدف التحطيم الكلي والجزئي لمجموعة ما، عرقية أو دينية، بقتل أعضائها وبالإعتداء الخطير على السلامة الجسدية أو العقلية لأعضائها”.
و أبرز بأن هذه الوضعية “تجعلنا أمام جريمة ضد الإنسانية، حسب كل المعايير والمواصفات الدولية، لأنها جرائم ضد السلم وضد الإنسانية يعاقب عليها بمقتضى القانون الدولي”.
إدانة دولية واسعة بالتفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر
و من جانبها, أوضحت الأستاذة أسماء بلال (جامعة أدرار) أن مختلف المواقف الداخلية والخارجية المنددة بالتفجيرات النووية في الجنوب الجزائري شكلت عنصر إدانة دولية واسعة لهذه الجريمة التي جاءت -كما أضافت- في مرحلة حساسة من مسار الثورة الجزائرية المجيدة التي كانت تسير نحو النصر، حيث كان المفاوض الجزائري أكثر تعقلا مع فرنسا التي ما فتئت تستعمل القوة والسلاح النووي من أجل الاحتفاظ بمقولة “الجزائر فرنسية”.
و ذكرت بأن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية نددت بشدة بتلك التفجيرات النووية على مستوى المحافل الدولية، مستغلة حضورها في اللقاءات والمؤتمرات العالمية لشرح أخطار التفجيرات على الجزائريين والأفارقة جميعا.
و قد ساهم الموقف العربي والإفريقي والأسيوي الرافض للتفجيرات النووية بالجنوب الجزائري في التضامن مع الجزائر في محاربة الاستعمار الفرنسي، حيث مثل ذلك نموذجا من نماذج التضامن العالمي في وجه القوى الاستعمارية المعادية آنذاك، استنادا لنفس الأستاذة.
و بدوره, أشار الأستاذ ناصري معمر الى أن فرنسا كانت تتسابق لإنتاج قنبلة نووية تعزز مكانتها كقوة عظمى إبان الحرب الباردة حيث اختارت منطقة “رقان” بالجنوب الجزائري لإجراء تفجيرات نووية, مضيفا بأن فرنسا الاستعمارية تعمدت استعمال سكان المنطقة البالغ عددهم حينها 42 ألف نسمة كحقل تجارب بل أخذت بعضهم إلى مستشفى رقان العسكري لدراسة آثار القنبلة على البشر.