الجزائر

الجزائر تحتفل بيوم العلم هذا الأحد

تحيي الجزائر هذا الأحد يوم العلم الذي يقترن بالذكرى الـ 83 لرحيل الشيخ العلاّمة عبد الحميد بن باديس (4 ديسمبر 1889 – 16 أفريل 1940).

يعدّ النابض بن باديس، رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر، كرّس حياته في الدعوة إلى التغيير الحقيقي الذي ينطلق من الفرد المتمسك بثوابت هويته والمحافظ على وحدة وطنه، وأكّد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في مناسبة سابقة، أنّ الاحتفال بالسادس عشر أفريل من كل سنة هو “تمجيد للعلماء وناشري العلم وإحياء لمآثر المصلح والمجدد، الإمام عبد الحميد بن باديس” الذي قال إنّه كان “من الأوائل الذين آمنوا بأنّ تحرير العقل من الجهل والخرافات، يسبق تحرير الأوطان… وحارب حتى آخر رمق من حياته، كل المخططات الاستعمارية الفرنسية لطمس الهوية الوطنية، وتصدى لخطط الإدماج بقوة حين صرخ في وجه المحتل الغاصب إنّ الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا ولا تريد أن تصير فرنسا ولا تستطيع أن تصير فرنسا حتى لو أرادت”.

وفي رسالته بمناسبة يوم العلم (16 أفريل 2022)، دعا رئيس الجمهورية، الشباب الجزائري إلى العمل على حسن التحصيل والتوجه بـ “فعالية” إلى الابداع السامي والاكتشاف الراقي، “مع التمسك بوطنيتنا العلمية التي يجب أن تبقى على مستوى عال من اليقظة أمام الحركية التي يشهدها العالم”.

وشدّد رئيس الجمهورية على ضرورة “العمل بكل ما أمكن لتفادي هزيمة الفكر والانفتاح الايجابي على اللغات والحضارات، والسعي إلى التحكم في التقنيات، واستخدام آليات العصر، والتوجه بفعالية وهمة وبفكر نقدي راشد، إلى الابداع السامي، والاكتشاف الراقي، بما تقتضيه حركة التنمية في وطننا المفدى”.

وأهاب رئيس الجمهورية لـ “جعل يوم العلم فرصة للذكرى، ومحطة للعبرة، وحافزًا للوعي، ودافعًا للتأمل، ومسلكًا للإصلاح والمراجعة، باستظهار الفهم الأصيل، والفكر المتوازن النبيل، وتوخي الوسطية في التعامل، كما كانت على ذلك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والمجهودات المباركة لشيوخ وأئمة الزوايا، الذين عملوا في كل ربوع الوطن لتكون الزوايا منارات للتعليم والإشعاع الروحي والحضاري، وحصنًا للهوية الوطنية”.

مسار مائز

وُلد العلامة عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس يوم 4 ديسمبر 1889 بقسنطينة في أسرة مشهورة بالعلم والثراء والجاه وأدخله والده في صغره لتعلم القرآن فأتم حفظه في السنة الثالثة عشر من عمره على يد الشيخ أحمد أبو حمدان الونيسي.

وفى عام 1908 سافر الى تونس لمتابعة تعليمه العالي في جامع الزيتونة فنال عام 1912 شهادة التطويع، وكعادة الخرجين وقتها كان عليه أن يعلم في الزيتونة عاما واحدا، ليعود في عام 1913 إلى قسنطينة وشرع في العمل التربوي ليعود عشية الحرب العالمية الأولى الى تونس حيث تابع تحصيله العلمي في الزيتونة لبعض الوقت ثم انتقل الى الحجاز بغرض الحج ومكث في المدينة المنورة لمدة ثلاثة أشهر ألقى خلالها دروسا في المسجد النبوي.

وزار الإمام بعد مغادرته الحجاز، بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وزار الأزهر، قبل أن يعود إلى قسنطينة لمواصلة إلقاء الدروس على الكبار والصغار والتفرغ لمشروع تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وفي سنة 1936 دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي يضم كافة التنظيمات السياسية والشخصيات المستقلة من أجل دراسة قضية الجزائر، أسفر عن بعض المطالب التي رفعها رفقة بعض العلماء إلى باريس دون الحصول على أي رد إيجابي، حيث هدده وزير الحربية الفرنسي دلادي بأنّ “لدى فرنسا مدافع طويلة”، فرد عليه الشيخ ابن باديس بالقول: “لدينا مدافع أطول، إنها مدافع الله”.

وفي صيف 1939 طلبت فرنسا الاستعمارية من جمعية العلماء المسلمين رسالة تأييد لها في حربها ضد ألمانيا، وعندها قال ابن باديس كلمته المشهورة: “والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلا الله ما فعلت”، وبعد ذلك بعام، سلم الشيخ عبد الحميد بن باديس روحه إلى بارئها يوم 16 أفريل 1940 فخرج الجزائريون يودعونه في جنازة مهيبة كانت يوما مشهودا في تاريخ مدينة قسنطينة.

التغيير الإيجابي وحفظ الهوية والوحدة الوطنيتين

بنى الشيخ ابن باديس دعوته الإصلاحية الرامية إلى “الاعتدال بإزالة الفساد”، على أسس التغيير الإيجابي المبني على دراسة الواقع وتصحيح الاعتقاد وتعليم الفرد الجزائري وحفظ الهوية والوحدة الوطنيتين، حيث كان يقول بهذا الصدد: “لا بقاء لشعب إلا ببقاء مقوماته”.

وانطلق في مشروعه الحضاري عام 1913 حين التقى بالحجاز مع رفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي واتفقا على مباشرة الجهاد بسلاح العلم على جبهتين “الاستعمار الفرنسي والمتاجرين بالدين”، وذلك من خلال تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي رأت النور عام 1931.

وكان الإمام يؤمن بقوة الإعلام في مسعى التغيير، ولذلك أنشأ جريدة “المنتقد” عام 1925 وجعل شعارها “الوطن قبل كل شيء والحق فوق كل أحد”، إلى جانب جرائد أخرى على غرار “الشهاب” والبصائر” وذلك بغرض التأسيس لـ “ثورة فكرية” -مثلما وصفها المفكر روجي غارودي-، كانت مرجعا ودعامة لعدد كبير من قادة الثورة التحريرية وانعكست في بنود بيان أول نوفمبر.

وكان قوام هذه الثورة الفكرية ترسانة تعليمية متكونة – بحسب مراجع موثّقة – من “نحو 124 مدرسة يؤطرها 274 معلمًا وضمّت حتى سنة 1954 حوالي 40 ألف تلميذ، علاوة على إنشائه سنة 1947 بقسنطينة لمعهد ابن باديس الثانوي الذي كان يتولى تكوين المعلمين والطلبة”.

ووقف هذا التيار التعليمي الذي كان موجّهًا للأطفال والكبار المنحدرين من مختلف الشرائح الاجتماعية، كسدّ منيع في وجه ممارسات المحتل الفرنسي وتصرفات الآباء البيض الرامية إلى استلاب الشعب وإحداث القطيعة بينه وبين هويته ورصيده الحضاري.

الشيخ ابن باديس (الذي كان يوقع على مقالاته الصحفية بكنيته الأمازيغية “الصنهاجي”)، أعطى بعدًا سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا بارزًا لمشروعه الإصلاحي، من خلال إرساء أسس تعليم اللغة العربية وأصول الدين وتشجيع بروز العديد من الجمعيات الثقافية والرياضية.

وفي شهادة سابقة لعبد الحق بن باديس، شقيق العلامة المصلح والرئيس الشرفي لمؤسسته، قال إنّ الإمام “لم يكن يتردد في الجلوس إلى جميع الناس بكل فئاتهم”، مركّزًا على نشر العلم للكبار والصغار نساءً كانوا أو رجالاً”، وأضاف أنه “أنهى تفسير القرآن الكريم سنة 1938 أي قبل سنتين من وفاته وكان يقدّم يوميًا ما لا يقل عن 15 درسًا في تفسير القرآن وعلوم الدين”.

قصة الصحف الـ 11

اعتمدت جمعية العلماء في نشر فكرها الإصلاحي على الصحافة المكتوبة التي كانت في ذلك الحين تعتبر من أكثر الوسائل تطورًا، وعليه أصدرت الجمعية ما لا يقلّ عن إحدى عشرة صحيفة.

وتشير دراسة أنجزها الأكاديمي د. نور الدين بولحية إلى التسلسل التاريخي لهذه الصحف، على النحو التالي:

1 ــ المنتقد: أصدرها الشيخ عبد الحميد ابن باديس في 03 جويلية 1925 م الموافق لـ 11 ذي الحجة سنة 1343 هـ بمدينة قسنطينة تحت شعار (الحق فوق كل أحد، والوطن قبل كل شيء)
ولعل أحسن من أرّخ لهذه الصحيفة، وبين الدوافع لها هو مؤسسها ابن باديس، فقد كتب في (الشهاب) في أفريل 1935م، أي بعد فترة قصيرة من تأسيسها: (في يوم النحر من ذي الحجة خاتمة شهور عام ثلاثة وأربعين وثلاثمائة وألف، برزت جريدة (المنتقد) تحمل فكرة الإصلاح الديني.

2 ــ الشهاب: بعد تعطيل المنتقد، وفي نفس السنة (أي في سنة 1925م) أصدر الشيخ عبد الحميد بن باديس جريدة (الشهاب) وكانت في أول الأمر أسبوعية، ثم تحولت في فبراير من سنة 1929 م إلى مجلة شهرية، تحتوي افتتاحية، ومقالات وفتاوى وقصصا وأخبارا وطرائف وتراجم وغير ذلك، وكان في السنوات الأولى يكتب معظم مقالاتها بنفسه، ويوزعها أيضا بنفسه، وقد استمرت في الصدور إلى الحرب العالمية الثانية فتوقفت في سبتمبر 1939م.
ولعل أهم ما استطاعت الشهاب أن تقدمه، بروزها كبوّابة فُتحت لتأسيس الجمعية، فقد نشر ابن باديس على منبرها سنة 1925م، يدعو إلى ضرورة تشكيل حزب إسلامي إصلاحي يعمل على تطهير الدين مما أدخله عليه الجاهلون من خرافات وضلالات، والعودة به إلى أصوله الصحيحة المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وذلك بعد مرور شهور من احتفال فرنسا بمناسبة مرور قرن كامل على احتلالها الجزائر.

3 ــ الجزائر: تأسست سنة 1925 من طرف الشيخ السعيد الزاهري، وقد ذكرها ابن باديس في (المنتقد)، وذكر بأنها (جريدة سياسية أدبية أخلاقية اجتماعية تصدر بالجزائر لصاحبها الشاعر الشيخ السعيد الزاهري، جلا علينا العدد الأول منها مقالات بليغة في متانة التعبير وسمو الفكر، ونبالة المقصد، وثقة لبلوغ الغاية، وجدير بها إذا كان السعيد واضعها أن يكون السعد طالعها).

والظاهر أن هذه الصحيفة كانت ذات ميول سياسية أكثر منها دينية، فقد ذكر عنها الدكتور سعد الله، بأنها من أوائل الصحف ذات الاتجاه الوطني الإصلاحي، وقد اتخذت عبارة (الجزائر للجزائريين) شعارا لها.

ولهذا، فإن الباحثين يذكرون أنها امتداد لجريدة الإقدام التي كان يصدرها الأمير خالد باللغتين العربية والفرنسية منذ 1919، فقد جاء في هذه الأخيرة إعلان يبشر بصدور جريدة (الجزائر) جاء فيه: (نستطيع اليوم بكل سرور أن نبشر قرائنا الفطناء، بأن صحيفتهم هذه ستطلع عليهم في العهد القريب باللسانين العربي والفرنسي باسم آخر غير اسم (الإقدام)، فقد اخترنا أن يكون (الجزائر) في حجم بقدر هذا مرتين، ثم تأخذ بعد ذلك في النمو بحسب الظروف إلى أن تصير صحيفة كبرى، ويتكفل بالقلم العربي حضرة صديقنا الشيخ محمد السعيد الزاهري المتطوع بالجامع الأعظم بالزيتونة بتونس، وتكون الجريدة أيضا تحت إشرافه، أما مواضيع الجريدة فستكون مقصورة على ما ينفع الناس)، وقد منعت الصحيفة بعد صدور ثلاثة أعداد منها فقط، ولعل ذلك لما كانت تحمله من حملة ضدّ المستعمر.

4 ــ صدى الصحراء: هي من أوائل الصحف التي أسسها الشيخ الطيب العقبي والشيخ أحمد العابد، وهي – كما وصفها الباحثون- جريدة علمية أدبية واجتماعية انتقادية شعارها (العمل لدرء المفسدة قبل جلب المصلحة)، والشعار، والمؤسس يدل على مدى العلاقة التي تربطها بالطرق الصوفية، ولهذا لم تعمر طويلا، فقد أوقفت من طرف إدارة الاستعمار يوم 26 ديسمبر 1926.

5 ــ الإصلاح: حاولت أن تخلف (صدى الصحراء) بعد توقفها، وكانت أسبوعية، ولم يصدر منها سوى بضعة أعداد، ثم توقفت.

6 ــ البرق: أنشأها عبد المجيد الرحموني في مارس 1927، وهي صحيفة اجتماعية أدبية انتقادية سياسية اقتصادية فكاهية، شعارها (خدمة الوطن والمصلحة العامة واستثمار المال)، وقد كتب فوق عنوانها عبارة: (تسامحوا فيما بينكم، فإنه لا سبيل للاتحاد كالتسامح) بإمضاء الزاهري، وكان التحرير موكل إليه، أما الإدارة والامتياز، فكانت للرحموني محمد عبد المجيد.

وبشّرت بها جريدة النجاح، فذكرت أنها (جريدة في الصحافة الأسبوعية تبحث في مسائل الترقي والعمران والمصلحة العامة وتمتاز باشتغالها بشؤون الواردات والصادرات من أنواع البضائع. والنتائج الجزائرية).

وكانت في بداية أمرها تطبع في المطبعة الإسلامية في قسنطينة، لكن خلافا وقع بين الزاهري (صاحب الجريدة الحقيقي) وصاحب المطبعة السيد أحمد بوشمال اضطره إلى نقل الجريدة لتطبع في مطبعة النهضة بتونس ابتداء من العدد السابع عشر.
وحسب رواية لمفدي زكريا: أن مديرها حاول طبعها بتونس، وذلك في رسالة مؤرخة بيوم 21 ماي 1927 للأستاذ زين العابدين السنوسي، إلا أنه لم يحصل له الاتفاق على طبعها.

أما توجه هذه الجريدة فقد لخصه محررها في أربعة نقاط هي:
– الاشتغال بالتجارة، وبالأسعار والبورصة.
– أن تكون الجريدة لسان حال الأمة المعبر عن آلامها وآمالها.
– ملاحقة الأشخاص البارزين بالنقد أن أضروا بالمصلحة العامة للأهالي.
– الاعتناء بالأدب.

والتف حول هذه الصحيفة مجموعة من الكتاب البارعين المعروفين بنزعتهم الإصلاحية المتحمسة، وأسلوبهم الناري المقذع، على رأسهم محرر الجريدة نفسه، وكان يمضي مقالاته ب (تأبط شرا، رقيب، الراصد، جساس)، ومحمد الأمين العمودي الذي كان يوقع كتاباته ب (سمهري)، وكان بجانبهما مبارك الميلي الذي كان يوقع ب (ببيضاوي)، والشيخ الطيب العقبي الذي كان يوقع بإمضائه الصريح وأحيانا ب (سلفي)،، وكذلك نجد المولود الحافظي الذي كان يمضي باسمه الصريح كذلك.

7 ــ السنة المحمدية: هي صحيفة أسبوعية كانت تصدر بقسنطينة، وهي أول جريدة ناطقة بلسان جمعية العلماء المسلمين، يديرها الشيخ ابن باديس، ويرأس تحريرها عضوان من إدارة الجمعية، عرفا بعدائهما الشديد للطرق الصوفية، وهما الشيخ الطيب العقبي، والشيخ محمد السعيد الزاهري.
وقد تأسست بعد تأسيس الجمعية بسنتين، وبعد حوالي ثماني سنوات من صدور الشهاب”، وكان أول عدد منها في الثامن من ذي الحجة سنة 1351هـ ( 1933 م )، وسرعان ما أوقفتها الإدارة الاستعمارية بحيث صدر آخر عدد منها في 10 ربيع الأول سنة 1352 هـ الموافق لـ 03 جويلية 1933م.

8 ــ الشريعة المحمدية: لما عطلت السلطات الاستعمارية جريدة السنة أعادت الجمعية إصدارها باسم (الشريعة المحمدية) في 17 جويلية سنة 1933 م، أي بعد توقيف (السنة المحمدية) بأربعة عشر يوما فقط، ولم يتغير فيها شيء عن سابقتها إلا في الشكل فقد جعلت من الآية: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية: 18] شعارا لها بدلا من الآية: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]

واحتفظت بالمواد التي احتوت عليها والخطة التي كانت تتبعها، والكتاب الذين كانوا يحررون فصولها، وبنفس الأسلوب وبالنهج الإصلاحي نفسه، وهي بذلك قد حملت قرار تعطيلها في مقالها الافتتاحي كما عبر عن ذلك الدكتور محمد ناصر.

وفعلاّ كان تعطيل هذه الجريدة بعد أمد قصير، إذ لم يصدر منها سوى 17 عددا، وقد أوقفتها الإدارة الاستعمارية في 28 أوت سنة 1933 م أي أنها لم تستمر في الحياة سوى أربعين يومًا.

9 ــ الصراط السوي: بعد توقيف صحيفة (الشريعة النبوية) أصدرت الجمعية في 11 سبتمبر 1933 جريدتها الثالثة تحت اسم (الصراط السوي) محتفظة بشعار سابقتها الشريعة، إلا أنها تم توقيفها هي الأخرى من طرف الإدارة بعد ثلاثة أشهر فقط من صدورها وذلك في شهر يناير سنة 1934.
ونقلت الشريعة في مقالها الافتتاحي لعددها الأول تصريحا للوالي العام الذي تملص من مسؤولية العراقيل الإدارية، ولعله جعل ذلك تحت ضغط برقيات الاحتجاج والتنديد التي وجهتها جمعية العلماء إلى السلطات الحاكمة المسؤولة في كل من الجزائر وفرنسا من مسلكها المتعسف تجاه جمعية دينية تهذيبية.

وعلق ابن باديس على هذا التصريح مؤكدا على تصميم الجمعية على الصمود أمام العواصف الإدارية والمضي على خطتها، وغايتها والثبات على المبادئ مهما يكن الثمن، ولكن ما إن صدر العدد 17 حتى عطل، وكان قد سبقه قرار بهذا الشأن من وزارة الداخلية علقت عليه الصراط بأنه: ( سيتخذ ضد كل الصحف الحاملة لهذه النزعة (الإصلاحية) أينما وجدت من التراب الجزائري، ومهما يكن صاحب امتيازها، ومهما تكن المطبعة التي تسحب فيها).

10 ــ الجحيم: هذه الصحيفة صدرت في حدود فترة زمنية قصيرة جدًا، أي ما بين مارس وماي سنة 1933، وكان تأسيسها متزامنًا مع صحيفة (السنة)، وصدرت سريًا في المطبعة الجزائرية بقسنطينة، وتوزع في الجزائر العاصمة كأنها تصدر هناك، أسندت إدارتها إلى الفرنسي الذي أسلم (محمد شريف جوكلاري)، وكان يحررها رفقة الزاهري، ومحمد الأمين العمودي، وحمزة بوكوشة، ومحمد الصالح خبشاش، وعبد الرحمن غريب.

وعبّرت عن نفسها بأنها: (جريدة مستقلة تدافع عن الشرف والفضيلة)، وكان شعارها (العصا لمن عصى).

11 – البــصائر: هي رابع صحف جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأسبوعيّة، وقد أنشئت بعد تعطيل الإدارة الاستعمارية لثلاث جرائد للجمعية في سنة واحدة – السنة المحمدية (1933-1933) الشريعة المطهرة (1933-1933) الصراط السوي (1933-1934).

وبعد توقف آخر صحيفة رسمية للجمعية، مُنعت من إصدار أية صحيفة باسمها، وقد دام هذا المنع قرابة السنتين (من جانفي سنة 1934 م إلى سبتمبر سنة 1935) إلا أنه بعد جهود كبيرة بذلتها الجمعية لأجل الحصول على رخصة من الحكومة الفرنسية بإصدار صحيفة باسم الجمعية، صدرت البصائر في27 سبتمبر 1935، وهي من الصحف التي لم تتعرض لها الإدارة الاستعمارية حيث ظلّت تصدر بانتظام إلى سنة 1939.

وأشرف الشيخ الطيب العقبي على تحريرها منذ أول عدد لها (27 سبتمبر 1935) إلى العدد 83 الصادر في (30 سبتمبر 1937)، حين تحولت إدارة تحريرها من العـاصمة إلى قسنطينة، وعين المجلس الإداري لجمعيّة العلمـاء الشّيخ مبارك الميلي مديرا ومحررا لها خلفا للشّيخ العقبي إلى أن توقفت بسبب الحرب عند العدد 180 الصادر في25 أوت 1939، حيث قررت الجمعيّة تعطيلها مع إعلان الحرب العالمية الثانية، لئلا تتعرض لضغوط ومساومات الإدارة الاستعمارية التي طلبت منها أن تعلن باسمها وتكتب في صفحاتها، تصريحات ومقالات ضد دول المحور.

وعادت البصائر إلى الصدور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من عام 1947 إلى غاية سنة 1956، بإشراف وإدارة رئيس الجمعيّة الثاني الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي، وبدأ صدورها يوم 25 جويلية 1947، ولكنها لم تلبث أن توقفت عن الصدور مجددًا من طرف المشرفين عليها سنة 1956.

وتعد البصائر من أهم الجرائد التي أصدرتها الجمعية باعتبار طول المدة التي أتيحت لها، واعتبارًا للمواضيع التي كانت تناقشها، حيث قاربت جميع القضايا التي تهمّ الجزائر والعالمين العربي والإسلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى