رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال62 لعيد الاستقـلال
وجه رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, اليوم الخميس رسالة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية والستين (62) لعيد الاستقـلال (5 جويلية 1962-2024)، هذا نصها الكامل :
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الـمرسلين،
أيتها المواطنات الفضليات، أيها المواطنون الأفاضل،
في تاريخ الجزائر محطات مضيئة تستوقفنا ذكرياتها وتستميلنا عبرها ويرفع هاماتنا شموخها، فنقف لنتذكر التضحيات ونستلهم العبر ونجدد العهد.
إن ذكرى استقلالنا الوطني الثانية والستين التي يشملنا أريجها هذه الأيام هي محتوى كل المحطات اليانعة بعد أن كانت ثورة نوفمبر 1954 عنوانها وبذرتها.
وإذا كانت كل أمم الأرض التي عاشت ويلات الاستعمار تجعل من تاريخ استقلالها معلما للأمجاد وعيدا وطنيا لإحياء المآثر، فعيد استقلالنا الوطني يقف على صدارة المنصة الأمامية ويشغل الحيز الأكبر، ذلك لأن صنف الاستعمار الاستيطاني الذي كابدناه وجالدناه طيلة قرن وثلث القرن لم يكن له مثيل في ضروب الاستعمار الأخرى، كما أن استماتة شعبنا في دحر هذا الاستدمار ومناجزته عبر المقاومات الشعبية والحركات الوطنية وثورة التحرير الغراء لم يكن لكل ذلك نظير في أمة أخرى، لا من حيث حجم التضحيات ولا من حيث قوة الصمود ولا من حيث شراسة العدو، ويكفي أن نذكر رقم مليون ونصف المليون من الشهداء حتى يتبادر إلى ذهن كل إنسان عبر أرجاء المعمورة حجم التضحيات والملاحم والبطولات.
إنه الفخر الذي لا يدانيه فخر، وإنها العزة التي لا تعلو عليها عزة، وإنه الإرث الذي لا يقدر بثمن ولا يتضاءل مقداره القيمي بالتقادم.
إن الجزائر التي ظلت على الدوام تتحرك في فلك إرث الشهداء وتستنير بإشعاع ثورتنا الخالدة لهي مدركة تمام الإدراك أن الاستقلال الذي ننعم به اليوم هو نتاج مقدس لأنهار من الدماء الزكية وقوافل متكاتفة لرموز قدموا أرواحهم على مذبح الحرية، وإننا سنظل واقفين مجندين على حمى هذه التضحيات نصون وديعة الشهداء ونحمي حياض الوطن من أجل مواصلة وضع لبنات أخرى لتشييد صرح الجزائر التي حلم بها الشهداء الأبرار.
أيتها المواطنات الفضليات، أيها المواطنون الأفاضل،
إن الجزائر اليوم التي لا تفتأ تذكر بالمرجعية النوفمبرية وتقدر رمزية الاستقلال وعمق ذكراه، هي في الوقت نفسه ماضية بلا تردد في مسار الأخذ من هذا النبع الصافي ضابطة كل خياراتها وقراراتها ومواقفها ومشاريعها وفق ما خطته ثورة نوفمبر الخالدة وما أفضت إليه من استقلال شهد العالم بأسره أنه افتك افتكاكا وقدمت على قربانه أغلى الأثمان.
أيتها المواطنات الفضليات، أيها المواطنون الأفاضل،
لم يكن خافيا أن المرحلة التي قطعناها كانت محفوفة بالتحديات سواء ما تعلق بمعالجة الملفات الداخلية أو وضعية المقام الذي يليق بصورة الجزائر في الخارج، ولكن صدق النوايا وعزيمة الرجال واستشعار شرف المهمة، كان دوما يبشر بالانتصار رغم حدة العوائق. نعم، لقد انتصرت الجزائر، انتصرت وهي تسترد إلى حضن أبنائها وشرف اسمها وهرم مقامها، انتصرت الجزائر في إعادة الثقة بغد أفضل، انتصرت في إعادة تماسك اللحمة الوطنية، انتصرت في إحياء الأمل، انتصرت في الإنعاش الاقتصادي، انتصرت في النهوض بالطبقات الهشة واكتساب ثقة الشابات والشبان، انتصرت في رسم الصورة التي تليق بالجزائر على المستويين الإقليمي والدولي، انتصرت بصوتها المرفوع ومكانتها المحفوظة في المحافل الدولية، انتصرت وهي تهز ضمير العالم في قضية الراهن الإنساني مأساة فلسطين الشقيقة.
لقد حققت الانتصار تلو الآخر على كل صعيد خاضته، وسيتحقق الأجزل والأوفر و الأثمن في قابل المراحل إن شاء الله.
أيتها المواطنات الفضليات، أيها المواطنون الأفاضل،
إن ذكرى استقلالنا الوطني لتبعث فينا الهمة والإدراك لمعنى أن يكون لك وطن بحجم ومكانة الجزائر، هذا الوطن العظيم الذي لم يخذله أبناؤه في أحلك ظروفه، وكلما استدعاهم لمهمة لبوا نداءه، هذا الوطن الذي بث فينا جميعا روح الإقبال عليه والامتثال لأحكامه كلما كان الموعد دقيقا وحاسما لنكون جديرين بالانتماء إليه.
عاشت الجزائر تنعم باستقلالها ورفعتها وواعد مستقبلها متذكرة في كل حال وأوان أمجاد ثورتها تحت بنود استقلالها، مغتنما هذه السانحة المجيدة لأترحم على أرواح شهدائنا الأبرار، مهنئا أخواتي المجاهدات وإخواني المجاهدين بهذه المناسبة، وداعيا العلي القدير أن يديم عليهم نعيم الصحة والعافية ويبارك في أعمارهم.
تحيا الجزائر،
المجد وجليل السمو للشهداء الخالدين،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.