الجزائر

مجازر 8 ماي 1945 بقالمة: مواقع شاهدة أبدية على الجريمة

ستبقى المواقع التي ارتكب فيها الإستعمار الفرنسي مجازر قتل و حرق راح ضحيتها أبرياء عزل يوم 8 ماي 1945, شواهد أبدية على بشاعة الجرم رغم رحيل كل شهود العيان بقالمة الذين لم تكتب لهم المشاركة في إحياء الذكرى ال76 للمجازر و الأولى لليوم الوطني للذاكرة المخلد لها.

فقد ودعت قالمة يوم 10 يوليو 2020 آخر شهود العيان عن تلك المجازر الوحشية للاستعمار المجاهد عبد الله يلس الرئيس الشرفي لجمعية 8 ماي 45 بالولاية وذلك عن عمر ناهز 96 سنة وهو من معطوبي أحداث ذلك اليوم إذ اصيب على مستوى رجله وكان حينها يبلغ من العمر 20 سنة وبقي يعاني منذ ذلك الحين من إعاقة حركية إلى غاية وفاته.

وكانت الولاية قد ودعت شهر مارس 2018 المجاهد والأمين العام لجمعية 08 ماي 1945 عبد العزيز بارة عن عمر ناهز 85 سنة بعد مرض عضال كما ودعت قبله أيضا في يوليو2013 المجاهد الساسي بن حملة الذي كان من شباب الحركة الوطنية المشاركين في المسيرة السلمية في تلك الأحداث والمؤسس الأول للجمعية وأكبر المناضلين من أجل إجبار فرنسا على الاعتراف بجرائمها.

كما عرفت السنوات المتعاقبة والعقود المتتالية نهاية كل الجيل الذي عايش مجازر 8 ماي 45 واحدا تلو الآخر والذين رحلوا دون تحقيق أمنيتهم في رؤية اليوم الذي تحاسب فيه فرنسا على مجازرها ويتم الاعتراف بضحايا المجازر على أنهم شهداء أو حتى يفتح ملف المفقودين في تلك الأحداث حتى تقر أعين أهاليهم ويتمكنوا من الحصول على شهادات وفاتهم أو الوقوف على قبورهم للترحم عليهم.

لكن رحيل كل أولئك لا يعني تخلص الاستعمار الفرنسي من العار الذي لازمه طيلة 8 عقود مضت, لأن الحقول وحواف الطرقات والوديان والجسور التي تمت فيها الإعدامات والتصفيات الجسدية ورميت فيها الجثث وأحرقت ما تزال وستبقى شاهدة على الجريمة.

وقد تعالت أصوات الجيل الجديد بضرورة الاهتمام بهذه المواقع أكثر وحمايتها وإعداد الدراسات التاريخية بشأنها وهي أحد أهداف بعض المتطوعين الذين قاموا بتجديد اعتماد جمعية 08 ماي 45 بعد عامين من إغلاق مقرها كليا.

وحسب شهادات سابقة جمعتها وأج, فإن الذاكرة الجماعية بالمنطقة تحتفظ بصور القتل الجماعي التي أعلنها رئيس دائرة قالمة وقتها “السفاح أندري أشياري” ومعه بعض اليهود بإسقاط أول شهيد خلال المسيرة السلمية ذات مساء من 8 ماي 1945 وهو بومعزة عبد الله المدعو حامد البالغ حينها 19 سنة.

وقد تحولت كل المدينة والبلديات المجاورة لها إلى ساحة لأبشع المجازر منها قصة فظيعة لطريقة قتل الشابة فاطمة الزهراء رقي التي قطعت أجزاء من جسمها قبل قتلها, وقتل أفراد عائلة كاتب إبراهيم بما فيهم طفل في ال12 من العمر وأمه الحامل في الشهر السادس, إضافة إلى الشاحنات التي كانت تجمع في كل ليلة مئات الشباب والرجال إلى منطقة كاف البومبة لقلتهم جماعيا وحرقهم.

 11 موقعا للمجازر و18 ألف شهيد 

تشير الوثائق التي بحوزة جمعية 8 ماي 1945 الولائية التي تأسست سنة 1995 خصيصا لمحاربة ثقافة النسيان وجعلت شعارها ” لكي لا ننسى” وأعيد تجديد مكتبها مؤخرا, إلى أن ولاية قالمة قدمت أكثر من 18 ألف شهيد في حصيلة تقريبية للمجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي وبقيت سياسة القتل والتصفية متواصلة لأكثر من شهرين وهي خلاصة كل الشهادات التي جمعها الناشطون في الجمعية.

وقد توج مجهود الناشطين في الدفاع عن القضية بإحصاء 11 موقعا كانوا مسرحا لتلك المجازر تتوزع عبر أماكن متفرقة من عاصمة الولاية وبلديات بلخير وبومهرة وهيليوبوليس وواد شحم ولخزارة وحتى عين العربي.

وأصبحت بعض المواقع التي كانت مسرحا للجرائم الاستعمارية منقوشة في الذاكرة الجماعية لكل سكان الولاية ومنها “فرن الجير” الذي كان تابعا للمعمر”مرسال لافي” بمنطقة هيليوبوليس يستعمله في حرق الحجارة وتحويلها إلى مادة الجير لكنه حول إلى “محرقة بشرية” حقيقية أحرقت فيه جثث عشرات الأبرياء العزل المقتولين من طرف الجندرمة والبوليس والمليشيات الفرنسية.

ووقعت مجازر مماثلة في كاف البومبة بنفس البلدية الذي رميت فيه عشرات الجثث ودفنت جماعيا لإخفاء الجرم, كما عاش الجسر الصغير لبلدية بلخير بعض المجازر و كذا حافة وادي سيبوس ببلدية بومهرة أحمد, إضافة إلى الثكنة القديمة وسط مدينة قالمة التي ما تزال بها بقايا المقصلة الحديدية التي أعدم بها المشاركون في مسيرتهم السلمية.

وفي المقابل, أظهرت المعاينة الميدانية لبعض المواقع بأنها تعاني الإهمال وهو ما يعيشه الموقع المعروف باسم “كوشة الياجور” الواقع على بعد 3 كلم من المخرج الغربي لبلدية قالمة وقد كانت تابعة لأحد المعمرين يقوم فيها بإنجاز الآجر, وقد استعملتها الآلة الاستعمارية لإعدام عشرات الأبرياء من مناضلي الحركة الوطنية الذين عبروا عن رغبتهم في التحرر.

ووفقا للأمين العام لجمعية 8 ماي 45 بعين المكان فإن هذا الموقع يجب أن يحظى بتدخل سريع من الجهات المسؤولة لأنه مهدد بالزوال, فعند إنجاز معلم مخلد للموقع, كانت هناك لافتة مكتوب عليها “بهذا الموقع تم إنزال المعتقلين وحشدهم وإعدامهم جميعا رميا بالرصاص دون تمييز”, لكنها اليوم اختفت, كما قام أحد الفلاحين بالجوار بحفر بركة كبيرة لتجميع مياه السقي تهدد كل محيط الموقع بما فيها بقايا البناية الاستعمارية.

كانت منطقة قالمة خلال الفترة الاستعمارية مربوطة بشبكة السكة الحديدية عبر خط قالمة-الخروب (قسنطينة) الذي وضع حيز الخدمة منذ سنة 1879 كجزء من خط مغاربي يربط بين المغرب وعاصمة الجزائر وتونس مرورا ببلديات الولاية من غربها إلى شرقها عبر بلديات عين رقادة و وادي الزناتي و برج صباط و طاية بوهمدان و حمام دباغ و مجاز عمار وقالمة محطة ثم بلخير وبومهرة أحمد والناظور و بوشقوف ومجاز الصفاء وصولا إلى سوق أهراس ثم تونس .

وتشير الشهادات المكتوبة لدى جمعية 8 ماي 45 بأن “المستعمر الفرنسي قام خلال المجازر بإخراج المسافرين العرب عنوة من عربات القطار ورميهم بالرصاص بصفة عشوائية”.

وتخليدا للمجازر عبر السكة الحديدية, قامت السلطات المحلية في وقت سابق بإنجاز معلمين أحدهما بالقرب من نقطة الدوران المؤدية إلى شارع التطوع, والثاني بمحطة القطار, لكن بعد توقف قطار قالمة الخروب سنوات قليلة قبل الاستقلال, أزيلت نهائيا كل الآثار الدالة على وجود سكة حديدية بالموقع الأول, أما محطة القطار فهي تواجه خطر الزوال بعدما توقف قطار قالمة بوشقوف عن النشاط في السنوات الماضية.

وأكد ممثل جمعية 8 ماي 45 أن الهدف الأول يتمثل في حماية وترميم كل المعالم الشاهدة على بشاعة تلك المجازر وأول خطوة ستكون من خلال مشروع إعادة الاعتبار لفرن الجير وإعداد دراسة علمية بالشراكة مع فرق متخصصة في علم الآثار , مبرزا بأن كل المعالم الأخرى يجب أن تحظى بترميم وحماية حتى لا تتعرض للإهمال والنسيان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى