ثقافة

الروائي ياسمينة خضرة: ” من يقولون أن رواياتي سياسية جريئة لم يقرأو لي إطلاقا “

حاورته :  بهلولي نهاد بشرى

محمد مولسهول المعروف بإسم “ياسمينة خضرة” كاتب و روائي جزائري، و ضابط سابق بالجيش الشعبي الوطني، من مواليد 10 يناير 1955، بمنطقة القنادسة التابعة لولاية بشار، كان والده ضابطا في الجيش ينحدر من مدينة وهران، و والدته من ولاية عين تموشنت، وتعد عائلة والدته من أول سكان حي” فيكتور ايقو ” العريق. سنة 1958 و هو بعمر الثلاث سنوات انتقل مع عائلته إلى مدينة وهران، وبحكم أنه ترعرع في وهران فهي دائما موجودة في رواياته. في رصيد الأديب الجزائري العديد من الروايات بحيث كتب أكثر من 50 رواية و ترجمت مؤلفاته لـ 52 لغة في العالم.

ياسمينة خضرة أم محمد مولسهول ؟

في الحقيقة لدي مشكل مع الاسم المستعار و الاسم الحقيقي ففي بعض الدول على غرار إيطاليا و إسبانيا الذين هم قليلا مجتمعات ذكورية فلا يقولون ياسمينة خضرة بل يفضلون محمد مولسهول، وفي كل مرة أذهب إلى هذه البلدان أقول لهم  أنا ياسمينة خضرة لأنهم لن يتعرفوا علي بإسمي الحقيقي “محمد مولسهول”. و الآن نحن نحاول أن نتطور قليلا ونبقى في إسم ياسمينة خضرة وإن رأى البعض أن ياسمينة خضرة إسما مؤنثا، فدعونا نقول أنه مثل الياسمين الأخضر .

كيف بدأت حكايتك مع الكتابة ؟

منذ الصغر كنت أعلم أني خلقت لأكتب، حيث عندما كنت في سن الخامسة قمت بكتابة شعر لم يكن شعرا حقيقيا ولكن مجرد محاولة، بالإضافة إلى كتابة بعض الأغاني للعائلة ،ثم في سن الحادية عشر كتبت أول قصة قصيرة بعنوان “الصغير محمد ” وهي إقتباس  من قصة      ” le petit poucet “،ومنذ ذلك الوقت إستمريت في الكتابة ، بعدها في سن السابعة عشر كتبت أول مجموعة قصص قصيرة بإسم “حورية”.  و واصلت مجهوداتي في الكتابة، و في مرحلة من حياتي التحقت بصفوف الجيش الشعبي الوطني وأصبحت ضابطا ، كنت دائما أفصل بين عملي و هوايتي، بالنسبة لي هناك حاجز بين مهنتي و عملي الأدبي، ففي وقت المهنة أنا عسكري و في وقت فراغي أنا الأديب. واصلت المشوار بإسمي الحقيقي “محمد مولسهول” ، حتى تلقيت بعض الصعوبات مع السلطات العسكرية بحكم عملي، أين تم فرض الرقابة على كتاباتي، وهناك قررت الكتابة باسم مستعار ولمدة 11 سنة، وأنا أكتب في الخفاء . والسبب أنه في فترة الإرهاب “العشرية السوداء” كنت أريد أن أترك شيء لأولادي، كانت فترة صعبة بحكم عملي و كنت متأكدا أنني سوف أموت بعدما توفى الكثير من أصدقائي فقلت أنني حتما سألقى نفس المصير و لهذا قلت أني لن أموت بدون ترك شيء لأولادي و كذا الجزائريين،  فكتبت قصصا من أجل أن يعرف الجزائريون ماذا كان يحدث في تلك الفترة و “أن الشعب لو يغفل دقيقة على نفسه فهو في خطورة ” ، وكان هدفي في تلك الفترة أن يتفطن الشعب لما حدث بالإضافة إلى التمنيات بأن لا تحدث مرة أخرى ولا تعيش الأجيال ما عشناه في العشرية السوداء.

هل صحيح أنك تخليت عن الحياة العسكرية ؟

الكثير يظن أنني تخليت عن منصبي كضابط في الجيش لأصبح كاتبا، هذا غير صحيح ، والحقيقة أنني لم أستقيل بل أتممت مهنتي كضابط إلى آخر يوم تم تقاعدت، بعدها قررت أن أكمل مغامرتي ككاتب و أحقق حلم الصغر والحمد لله كان خيارا في محله. للإشارة اعتقد البعض أنني بدأت الكتابة عندما خرجت من الجيش، لا بل قمت بتأليف وأصدرت حوالي 14 رواية ، ترجمت إلى 12 لغة و أنا مازلت تحت الراية العسكرية .

ما سر تسمية ياسمينة خضرة ؟

الإسم المستعار هي فكرة زوجتي حيث بدأت مشاكلي عندما انتقلت إلى ولاية تمنراست ، ذهبت هناك في بداية السنة و في الجيش لا يوجد من يتنقل في بداية السنة ، وكان السبب أني تلقيت دعوة  للظهور في حصة  مع منشط في التلفزيون الجزائري قدمت طلبا للسلطات العسكرية وتم رفض طلبي ،وآنذاك كنت أعمل في الناحية العسكرية الثانية بوهران ، فتم نقلي إلى تمنراست من اجل عدم الظهور في التلفزيون أو الراديو .بعد ذلك تراكمت المشاكل و فرضت علي الرقابة العسكرية ، و هنا زوجتي أعطتني القوة من أجل مواصلة الكتابة و شجعتني على الكتابة بالخفاء فأتذكر حينها أنها قالت لي ” إن لم تكتب أنا أعرف جيدا أنك ستفقد شغف الحياة “خاصة في تلك الفترة كنا في ولاية تمنراست و هناك لا يوجد مسرح أو سينما أو أي شيء سوى الصحراء وذلك في فترة التسعينات . فشجعتني على الكتابة بالخفاء باسم غير اسمي وهنا بدأت القصة.. في سنة 1994 كتبت أول كتاب بإسمها “ياسمينة خضرة ” وكانت هذه الطريقة من أجل إرجاع فضلها بعد ما شجعتني لمواصلة شغفي.

من لا يعطي قيمة للمرأة فهو لا يعطي قيمة للدنيا و للحياة

زوجتي هي بالنسبة لي أكثر من زوجة كانت الأم و الصديقة، رفيقة السلاح و رفيقة الدرب. وهذه رسالة أخرى من أجل احترام المرأة خاصة في الجزائر المرأة مهمشة كثيرا ، ولا يعطون قيمة للمرأة و من لا يعطي قيمة للمرأة فهو لا يعطي قيمة للدنيا و للحياة . و لكن من جهة أخرى  أرى أنا العقليات بدأت تتغير قليلا في المجتمعات العربية ، مؤخرا كنت في الإمارات في حفل توزيع الجوائز، أحد المتوجين في كلمة ألقاها أهدى الجائزة إلى بناته و زوجته وهذا شيء جيد مقارنة بالماضي أين كان يمنع ذكر المرأة على اللسان ، و أنا فخور بهذا التغيير و الذي يقول غير ذلك فالرجولة ليست معيار للقوة أو الكلام الرجولة أخلاق وأصالة .

ماذا تعني لك الكتابة ؟

الكتابة تعني لي الكثير ، شيء جميل جدا إختراع، سفر ،عبر كتاباتي أصبحت أكثر فهما لبعض المواضيع، من قبل كنت أتطرق لها خوفا حتى أصبحت أعالجها بطريقة تساعدني على فهمها، فمن خلال القلم صرت أتعلم ، مثلا القضية الفلسطينية عندما كتبت l’attentat   وكان كتابا مميزا الذي حول لفيلم ، بالإضافة إلى كتابة الليلة الأخيرة للرئيس وتتحدث عن الرئيس الليبي السابق معمر القدافي رحمه الله ، كل ما أستطيع قوله ، فإن الكتابة عالجت الكثير من الأمور داخلي و حولي .

على ماذا تعتمد في كتاباتك ؟

الكثير من الأشياء التي تهمني و كل ما قد يخطر في بالي ، وعندما أطرح تساؤلات حول موضوع ما ، فمثلا أردت أن أتحدث عن الجزائر كتبت عدة روايات عن الإستعمار الفرنسي في الجزائر في رواية

Ce que le jour doit à la nuit ” و  les anges meurent de nos blessures ،أيضا الجزائر في فترة العشرية السوداء ،حتى عن جزائر اليوم في كتاب “ماذا تنتظر القردة ” . وبما أنه عندي صدى عالمي  في مختلف الدول على غرار أوروبا وأسيا، أمريكا اللاتينية، فذلك يسمح لي أيضا بأن أكتب عن هذه البلدان التي زرتهم .

ما تعليقك على وصف رواياتك بالسياسية الجريئة ؟

عندما يكون هناك أديب جزائري وصل إلى مستوى  عال لم يسبقه إليه أحد ومعروف في مختلف دول العالم ، فكيف توصف كتابته بالسياسية الجريئة ، سبق لي و قلتها من قبل، من قالوا ذلك هم أناس لم يقرؤوا روايات ياسمينة خضرة إطلاقا ،خاصة الذين يقولون عن رواياتي أنها  تحمل طابع الحنين nostalgique  ،في حين لا يوجد أي أديب سواء فرنسي أو ألماني الذي تحدث عن المآسي الجزائرية كما فعلت أنا . و من المستحيل أن يكون هناك حنين للمعاناة، قد نشعر بالحنين لأشياء التي تزرع فينا الأمل و غيرها،  فكيف تكون رواياتي ذات هذا الطابع. و تبقى هذه مجرد أحاديث ليس لها معنى بالنسبة لي ومع الأسف هذا هو الواقع. ربما لو كنت أديبا تونسيا أو مغربيا لكانوا يتغنون بي ولكن أنا جزائري …و بالرغم  من المستوى الذي وصلت له  كتاباتي  التي نشرت في 58 بلد وترجمت لـ 52   لغة في العالم . لم يصل أحد إلى هذا النجاح ولكن هناك من يريدون تحطيمي وسحبي إلى الأسفل ، بالعكس يجب الإفتخار بهذا الشيء وليس محاولة تحطيم الشخص ، وإن صح التعبير هذه عبارة عن عقليات ، و يجب التغيير فهذا نوع من التخلف، لازلنا متخلفون ولا يمكن لك ” تلطيخ شخص يشرفك ” من غير المعقول ولكن هذه حقيقة ونحن مضطرون أن نتعايش مع هذا النوع من الأشخاص.

“التشاد” أكثر بلد أفريقي  تداولا لرواياتي

بالرغم من أني جزائري إلا أنا أكثر بلد تداولا لرواياتي ليس الجزائر .. بل دولة “التشاد” أين ،إتصل بي وزير الثقافة التشادي و دعاني من أجل تكريمي لأن كتبي تدرس في المدارس ، هذا يعتبر مفخرة لي وللجزائر، وهكذا نتقدم وليس بتحطيم نجاحات الآخريين .

*وهل نحن نشجع فقط الخضرة ” المنتخب الوطني ” بل هناك أيضا ياسمينة خضرة الذي يشرف الجزائر، وكتبه إكتسحت المسارح و السينما وحتى الأوبرا، أنا بالنسبة لي هذه موهبة ربانية و بالرغم من كل الانتقادات أنا دائما موجود في الساحة.

هل ياسمينة خضرة مهمش إعلاميا ؟

في الجزائر لا يبحثون عن من يملك المواهب و العبقري، فهم لا يقدرون ذلك، حقيقة يميلون أكثر للسياسة، وأستطيع القول أني مهمش إعلاميا خاصة من الصحافة الجزائرية فهي لا تتحدث عن كتبي كثيرا مقارنة بالصحافة الأرجنتينية،  فمؤخرا كتبت مقال يتضمن أعمالي الأدبية في ثلاث صفحات على العكس هنا في الجزائر، تكتب عنك كلمتين  فقط وتنسى بعدها وهذا شيء مؤسف .

 لماذا لم تحقق رواية “ملح النسيان” le sel de tous les oublis صدى ؟

لم تحقق رواية ملح النسيان الصدى المعتاد مقارنة برواياتي التي حققت ملايين في نسبة المبيعات على غرار رواية “ Ce que le jour doit à la nuit ”  الذي بيعة حوالي مليون نسخة ، l’attentat    بيعت تقريبا مليون نسخة . أنا أقول لم يحصل على الصدى من ناحية الإعلام أي  الصحافة لم تتحدث عن هذا الكتاب ،بحيث ثلاثة كتب الأخيرة منعت من التحدث عليهم إعلاميا في فرنسا، ربما لم يسمع عنهم مثل الروايات الأخرى ولكن مع ذلك بيعت 50 ألف نسخة بصراحة كل أديب يتمنى أن يبيع هذا القدر من النسخ . ولكن الحمد لله لازلت في الحراكة الايجابية.

رواية ياسمينة خضرة المفضلة ؟

بكل صراحة les anges meurent de nos blessures

رواية إلى حد الآن مازالت تأثر بي ولمستني قصتها .

رسالتك للكتاب الجزائريين ؟

أنصح الكاتب الجزائري و حتى المغاربي بصفة عامة أن لا يقيد نفسه في بلده لأن الكتابات التي تخص الهوية في بعض الأحيان لا تهم أحد ، حاول أن تكتب  مواضيع مختلفة بحيث عندما يقرؤك شخص من اليابان أو الصين أو أستراليا يفهمك و تأخده بشكل معمق في روايتك، وأعلم أننا نستطيع و أن نبين للعالم أننا لدينا الكثير من الأشياء لنقولها .في جولاتي  عبر مختلف البلدان عندما أسأل البعض عن الكتاب أمثال طه حسين أو نجيب محفوظ يقولون لا نعرفه بالرغم من أن نجيب محفوظ تحصل على جائزة نوبل حتى المتنبي الذي يعد من  أكبر الشعراء ولا يوجد من يقارن نفسه بالمتنبي . لذلك يجب فتح  صدى الأدب الجزائري مثل “قارسيا ماركس Garcia Marquez ” لم يكن يقرأ أحد للكتاب الأمريكيين ولكنه فتح المجال عبر كتاباته . وهذا بالضبط ما حاولت فعله من أجل إثبات إمكانيتنا في التخاطب مع الشعوب الأخرى.

هل تقرأ لهم ؟

طبعا فأن أيضا جزائري هل تريدين أن أقول مثل كاتبة جزائرية قالت أنا لا اقرأ للكتاب الجزائريين ، تكبرت وهنا نرى المستوى الرديء،  تتحدث عن كاتب أحسن منها بألف مرة ، أن اقرأ لهم و ذلك لمعرفة أين وصل الفكر الجزائري و أرى إن كان في صواب أو على خطأ ، وحتى عندما كنت شابا كنت اقرأ باستمرار للعديد من الكتاب و لا يوجد كاتب جزائري لم اقرأ له على الأقل كتاب واحد ، وذلك بدافع الفضول و كوني جزائري

لماذا لم يكتب ياسمينة خضرة باللغة العربية ؟

والله حاولت كم من مرة بحكم إني إنسان معرب وجل دراستي كانت باللغة العربية حتى الدراسة العليا العسكرية بروسيا  كانت باللغة العربية ، و لكن الأدب ليس قضية لغة بقضية إمكانيات التي تدفعك  لتعبر عن ما في داخلك للكتابة، أنا لم أجد هذا الشعور للكتابة باللغة العربية . والسبب في صغري كنت أتمنى أن أصبح شاعرا كالمتنبي وحاولت أن أكتب مثله لكن لم ألقى الدعم من طرف أساتذة اللغة العربية، على العكس كنت أتلقى التوبيخ وأنا في سن 12 سنة لماذا؟ لأني كتبت قصيدة ليست بمستوى قصائد المتنبي .لذلك وجدت راحتي في اللغة الفرنسية ،وذلك لا يمنعني من كوني جزائري فأنا أكتب باللغة الفرنسية و لكن ليس كالفرنسيين وهذا بالضبط ما يقولوه لي الفرنسيون ، أنت تكتب باللغة الفرنسية و لكن ببصمة جزائري مائة بالمائة . و هي التي اعتبرها لغة خاصة بي .وعندما تقرأ ولو غيرت أسلوب الكتابة تعرف أن هذا ياسمينة خضرة .

ما هي  روايتك القادمة ؟

أكبر كتاب منذ بدايتي والذي سيصدر في شهر أوت من السنة الجارية أنا راض جدا بهذا الكتاب و أتمنى أن يكون نفس الشعور بالنسبة للقراء،

كما أنني فخور جدا بهذه الرواية لم يسبق لي و أن عملت في نص مثل  هذه المرة ،هذا الكتاب سيحمل بعض المسائل حول الوضع الذي أمر به لهذا سوف أتركه حتى يصدر ويكتشفه القراء بأنفسهم .و أنا أعد الجزائريين و كما عودتهم فور نشره في فرنسا ،سيتم نشره في الجزائر في الوقت نفسه أين حرصت على هذه النقطة و أدرجتها في العقد.

نصيحة تقدمها للشباب

النصيحة التي أقدمها للشباب هي يجب أن يكون لديهم مهنة بعيدا عن الكتابة ، لأن المهنة هي التي ستساعده على الكتابة و هذه  حقيقة لا مهرب منها ،لا تستطيع العيش من وراء الكتابة بالرغم أنك تملك الموهبة و حتى الاحترافية. ولكن هذا لا يمنع الشباب من الكتابة ولماذا لا يكون في كل شارع كاتب وذلك من اجل ترسيخ ثقافة الكتابة .

كلمة أخيرة

أن سعيد جدا باستضافة الشباب و أشجع كثيرا هذه الفئة ،وأنتم الجريدة الوحيدة التي دخلت بيتي، وأن أملك ثقة في هذا الشباب وبالرغم من جميع الظواهر السيئة التي تظهر والتي هي موجودة حاليا، و أن الشعب مهمش ولكن ليس لنا خيار آخر، لأن شباب اليوم هم جزائر الغد ، وأتمنى أن يستفيق الشباب وأن يعلم أن لديه مهمة التي لم نستطع ربما القيام بها ولم نترك للجيل الجديد بلدا  يحبون العيش فيه . وعلى الشباب أن لا يأخذنا كمثل بل كنقطة إشارة من اجل أن لا يعيد الخطأ الذي ارتكبناه و يجب عليه أن يؤمن ببلده  و يسعى للنهوض بها . و الشباب يستطيع بناء جزائر جديدة  و أتمنى النجاح و التوفيق لشبابنا … و شكرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى