ثقافة

اليوم العالمي للشعر فرصة للإشادة بفن رفيع عابر للأزمنة والثقافات: من المغرب إلى الخليج مرورا بالأقصر.. العرب يحتفون بالشعر

أثبت الشعر الذي يعد حجر الأساس في الحفاظ على الهوية والتقاليد الثقافية الشفهية والمكتوبة، على مر الزمن، قدرته الفائقة على التواصل الأكثر عمقا بين الثقافات المتنوعة.

وكان له الأثر الكبير في تعزيز الإنسانية المشتركة على اعتبار أن جميع الأفراد، في كافة أرجاء العالم، يتشاطرون التساؤلات والمشاعر ذاتها، وكان الشعر ولا يزال المحطة الرئيسية لمختلف الآداب والتفاعلات الإنسانية، لذا فإن الاحتفاء العالمي بالشعر هو احتفاء بالتاريخ المشترك للإنسانية. و يعد الشعر أحد أشكال التعبير ومظهرا من مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهما ما يعتبران أغنى ما تمتلكه الإنسانية، إذ أنه يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب من خلال تحويل كلمات القصائد البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام. وفي هذا الإطار تحتفي الكثير من بلدان العالم باليوم العالمي للشعر في 21 مارس من كل سنة، والذي بات موعدا لإعلاء شأن الكلمة والمشترك الإنساني في عالم متقلب. قال اللواء فارس خلف المزروعي، رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، إن الشعر كان ولا يزال إحدى أهم ركائز التراث في دولة الإمارات، ويرسخ الأصالة وقيم الجمال والإبداع. وأضاف بمناسبة اليوم العالمي للشعر، إن هذا اليوم يبين أهمية الشعر في التعبير الجميل والمظاهر الملهمة للهوية اللغوية والثقافية الخاصة بالمجتمعات ويجدد الاعتراف بدوره المحوري كواحدٍ من أهم الكنوز الإنسانية، وخلق مساحات جديدة في الحوار، ونقل الهوية الوطنية والثقافية إلى العالم. ووجهت أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، رسالة بمناسبة اليوم العالمي للشعر والشعراء، انطلقت فيها من تساؤل مصيري “هل يمكن أن ينقذ الشعر الأرض؟”، واستحضرت الرسالة الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي، معلنة أن منظمة اليونسكو سوف تكرم هذه السنة شعراء الماضي والحاضر المدافعين عن التنوع البيولوجي والمناصرين لصون الطبيعة. وبحسب الرسالة، دائما، “ما فتئ الشعراء يدعون إلى تقدير جمال الطبيعة منذ آلاف السنين، في حين يعد صون التنوع البيولوجي موضوعا حديث التداول في مجتمعاتنا المعاصرة… وقد أدرك الشعراء في كل زمان ومكان الأواصر المتينة التي تربط عواطف الإنسان ومشاعره بالبيئة المحيطة به، وبمقدار ثرائها”. مثلما ذهبت الرسالة إلى أن “الشعر ركن من أركان كينونتنا، فهو قوت القلوب الذي نحتاج إليه جميعا، رجالا ونساء، نحن الذين نحيا معا الآن وننهل من معين تراث الأجيال السابقة ما يعيننا على مواصلة حياتنا”. وقالت أزولاي “يعد اليوم العالمي للشعر فرصة للإشادة بجميع العاملين على إحياء هذا الفن الرفيع، وفي مقدمتهم الشعراء بالتأكيد، ولا ننسى المترجمين والمحررين ومنظمي اللقاءات والمهرجانات الشعرية. وتشجع اليونسكو كافة الدول الأعضاء على دعم مساعي جميع أولئك الذين يعملون بلا كلل أو ملل لكي يواصل الشعرُ إثراء حياتنا”.

منظمة الإيسيسكو تقيم في الرباط احتفالية دولية بمناسبة اليوم العالمي للشعر تحت شعار “الشعراء أجنحة السلام”

 وتابعت قائلة “تود اليونسكو تكريم شعراء الماضي والحاضر المدافعين عن التنوع البيولوجي والمناصرين لصون الطبيعة، حيث استعان الشعراء المحدثون والمعاصرون بذاكرتهم الثقافية، وباتوا ينظمون الشعر للتعبير عن شواغلهم البيئية والإدلاء بشهاداتهم بشأن تغير المناخ”. وأضافت أزولاي “يتصدر صونُ التراث الطبيعي والثقافي الآن، بفضل أعمال هؤلاء الشعراء الذين يذودون عن البيئة بأشعارهم، المسائلَ التي تُطرح على بساط البحث خلال المناقشات السياسية باعتباره مسألة حياة أو موت. وقد عبر الشاعر المابوتشي المعاصر، إليكورا تشيوايلاف، تعبيرا بليغا عن هذه الصلة الموجودة بين معارف الشعوب الأصلية وحماية النُظم الأيكولوجية”. وشددت أزولاي على أهمية تشجيع “اليونسكو” للدول الأعضاء على القيام بدور نشيط في الاحتفال باليوم العالمي للشعر، سواء على المستويين المحلي أو القطري، وبالمشاركة الإيجابية للجان الوطنية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المعنية الخاصة منها والعامة، من قبيل المدارس والبلديات والمجمعات الشعرية، والمتاحف والرابطات الثقافية، ودور النشر، والسلطات المحلية وغيرها. وتحتفل “اليونسكو” سنويا باليوم العالمي للشعر، والذي يعد تقليدا ثقافيا لتثمين أحد مظاهر التراث الثقافي اللامادي، من خلال دعم التنوع اللغوي عبر التعبير الشعري، ولإتاحة الفرصة للغات المهددة بالاندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية. وكان المغرب قد بادر إلى مراسلة “اليونسكو” باعتماد يوم 21 مارس من كل سنة يوما عالميا للشعر، ومن يومها أصبح العالم يحتفي بهذا اليوم. كما اعتمد المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس سنة 1999، ولأول مرة، تاريخ 21 مارس اليوم العالمي للشعر بهدف دعم التنوع اللغوي، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرصا أكثر لاستخدامها في التعبير. وفي نفس الإطار تقيم منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، يوم 23 مارس، بمقرها في الرباط، وعبر تقنية الاتصال المرئي، احتفالية دولية بمناسبة اليوم العالمي للشعر، تحت شعار “الشعراء أجنحة السلام”، تعبيرا عن الاهتمام الذي توليه للشعر كلغة عالمية رفيعة. وأفاد بلاغ للمنظمة أن هذه الاحتفالية الدولية التي تنظم بالتعاون مع أكاديمية الشعر العربي في المملكة العربية السعودية، ستشهد مشاركة دولية رفيعة المستوى لمؤسسات تهتم بالشعر، وشعراء مرموقين ومتخصصين في المجال، لتبادل الآراء والأفكار والنقاش حول المؤسسات الشعرية، والشعر النسائي والعالمي.

تاريخ عريق

لا يغيب الشعر عن مدينة الأقصر على مر العصور والأزمنة، فالمدينة التي كانت عاصمة لمصر القديمة والعالم، لا تزال معالمها من معابد ومقابر شيدها حكام العالم القديم من ملوك مصر وملكات مصر القديمة، تحكي الكثير من تفاصيل قول قصائد الشعر والغزل. وكان يصدح العشاق بالشعر وسط معابد المدينة وحقولها، وعلى جوانب نهر النيل الخالد، الذي يشطر المدينة إلى قسمين، كان أحدهما قديما يُعرف بمدينة الأموات، حيث مقبرة طيبة القديمة ومعابدها الجنائزية التي جعلت من برها الشرقي مدينة للأحياء، ومركزا للأعياد والمهرجانات وقول الشعر. وما بين ذلك الماضي الذي يحمل صوراً مضت عليها آلاف السنين، لقول الشعر في مدينة الأقصر، وهذا الحاضر الذي تعيشه المدينة اليوم، عبر سعي مؤسساتها الثقافية لاستعادة دورها التنويري والحضاري، استضافت الأقصر احتفاء بيوم الشعر العالمي، 20 شاعرا ممن حازوا جوائز الإبداع في إمارة الشارقة خلال دوراتها الماضية. ولفت إلى أن الأقصر احتفت بيوم الشعر العالمي مبكرا، وأعادت إلى الذاكرة تلك الصور التي سجلتها نصوص المعابد والمقابر القديمة في الأقصر، من معرفة المدينة لفنون الأدب، وقول نصوص أدبية كانت تفيض بهجة ورقة وجمالا قبل آلاف السنين.

اليوم العالمي للشعر يبين أهمية هذا الفن في التعبير الجميل والمظاهر الملهمة للهوية اللغوية والثقافية للمجتمعات

وقال الشاعر والمترجم المصري الحسين خضيري إن الشعر كان حاضرا في معارك التحرير التي قادها حكام طيبة ضد الغزاة قبل آلاف السنين، مثل أحمس وسقنن رع حيث كان للشعراء دورهم في المعركة عبر إطلاقهم الأناشيد الحماسية. وأشار خضيري إلى أن جداريات طيبة القديمة، وبردياتها، وأناشيد أخناتون، وأشعار تحتمس الثالث، لا تزال تنطق إلى الآن بعظمة هذه الأرض التي لا تزال تنجب شعراء كبارا يثرون العالم بنصوص شعرية مدهشة، تطوف القارات مثل أشعار الدكتور عارف كرخي أبوخضيري، الذي ترجمت أعماله إلى 18 لغة. ولفت خضيري إلى أنه كما كانت الأقصر مركزا مهما من مراكز الشعر والشعراء على مر التاريخ، فإنها لم تغب أيضا عن عيون وأخيلة الشعراء، انطلاقا من هوميروس الذي وصفها في إلياذته الشهيرة، ليمتد بعده عقد الشعراء العالميين الذين استلهمت قرائحهم عبق التاريخ في الأقصر، فكتبوا عنها أجمل القصائد مثل الشاعرة الإنجليزية التي عشقت مصر، تيريزا هولي، والأميركي هنري آبي، الذي جذبه النيل والنخيل في الأقصر والشاعر الإنجليزي بريان وولر بريكتر، وأيضا الشاعر الإنجليزي، نيكولاس ميشيل عاشق الممالك القديمة. تخلد بيوت الشعر في مختلف الدول العربية اليوم العالمي للشعر، من خلال برامج شعرية استثنائية ومتنوعة. وبمناسبة هذا اليوم تنظم دار الشعر في تطوان احتفالية كبرى بإشراف من وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية، وذلك يومي 21 و22 مارس الجاري، في عدد من المؤسسات الثقافية والفنية والتاريخية التابعة للوزارة. واختارت دار الشعر في تطوان هذا العام أن تحتفي بالعالم الجغرافي والشاعر المغربي الشريف الإدريسي، الذي وضع أول خارطة مفصلة في التاريخ الإنساني، وهي الخارطة التي رسمها لملك صقلية روجر الثاني. وتستحضر دار الشعر في شخصية الشريف الإدريسي عالميته، حيث انشغل صاحب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” بوصف أقاليم العالم ورسمها. وقد عبر عن ذلك في شعره أيضا، حين خاطب به كل العالم، وهو يردد “دَعني أَجُل ما بَدَت لي سَفينةٌ أَو مطيّةْ/ لا بُدَّ يَقطَعُ سَيري أَمنِيَةٌ أَو مَنِيَّةْ”. مثلما عمق هذا النزوع نحو احتضان العالم في قصيدة أخرى يقول فيها “ليت شعـري أين قبري/ ضاع في الغربة عمري. لم أدع للعين ما تشــتـــاق في بر وبحر”… وبمناسبة اليوم العالمي، تكرم دار الشعر في تطوان الشاعر والزجال والوشاح المغربي مالك بنونة، أحد الشعراء العلماء المتخصصين في دراسة الموسيقى الأندلسية المغربية، وأحد المهتمين بالمدونة الشعرية الغنائية بين البلدين. وقد حقق بنونة كتاب “كناش الحايك” الشهير، لإدريس بن جلون التويمي، وديوان الرحالة ابن جبير، وكتاب “الروضة الغناء في أصول الغناء”. ولمالك بنونة أشعار وأزجال غزيرة وموشحات كثيرة تغنّى بها رواد الأغنية المغربية، وفي صدارتهم صديقه الفنان الراحل عبدالصادق شقارة. وسيتم تكريم مالك بنونة في فضاء المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، حيث توجد واحدة من أهم الجداريات/ اللوحات التي رسمت عليها خارطة الشريف الإدريسي. وضمن برنامج الاحتفالية، سيتم تقديم وتوقيع الأعمال الفائزة بجائزة الديوان الأول للشعراء الشباب، ويتعلق الأمر بديوان “في عينيك توجد المقاهي أيضا” للشاعر بوبكر لمليتي، وديوان “عندما يعرج العدم” للشاعر عثمان الهيشو، وهما المتوجان، مناصفة، بجائزة دار الشعر في دورتها الأخيرة، إلى جانب ديوان “على وشك التمرد” للشاعرة سارة ابن حرة، المتوجة بالجائزة الثانية، وديوان “في غياهب الغربة الأولى” للشاعر محمد الحسيني، المتوج بالجائزة الثالثة.

الشعر في الخليج

احتفت هيئة البحرين للثقافة والآثار الأحد بيوم الشعر العربي والعالمي، حيث بثت عبر قناتها على موقع يوتيوب لقاء مصوراً مع الشاعر البحريني قاسم حداد، تبعه عرض فيلم يختصر مسيرة الشاعر الراحل الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، من إنتاج مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث. وخلال اللقاء، يتوقف الشاعر قاسم حداد عند أهمية اليوم العالمي والعربي للشعر، كما تحدث حول ديوان “البشارة”، الذي تعيد هيئة الثقافة طباعته بخط يد الشاعر حداد تزامنا مع هذه المناسبة. كما استعرض رؤيته لدور الشباب في الارتقاء بهذا الفن الأدبي الرفيع. أما فيلم الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة فيلقي الضوء على اثنتين وثمانين سنة من العطاء في المجال الإعلامي والثقافي والأدبي والرياضي للراحل، إضافة إلى بيان دوره في الارتقاء بالأغنية الوطنية والعاطفية في المنطقة وجهوده في تعزيز مكانة الرياضة في مملكة البحرين ودول الخليج. وتصدر هيئة البحرين للثقافة والآثار ديوان “البشارة” بعد نصف قرن على صدور النسخة الأولى عام 1970. وهذا الديوان الشعري هو الأول للشاعر قاسم حداد، وقد وصفه بأنه جاء تعبيرا عن روح اللحظة الأدبية والفكرية والسياسية والاجتماعية ولحظة النضال الوطني حينها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى