عين اليقين وعلم اليقين
ذكر شمس الدّين الذَّهَبِيّ في كتابة سير اعلام النبلاء قصة مثيرة اردت ان اشارككم اياه ، والذهبي كما ترجمت حياته ” رجل جمع بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا، فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالاً” الى جانب ” المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال” فقد وصف على انه ” وحده مدرسة قائمة بذاتها ، وقيل ان سُمي الإمام الذهبي بالذهبي لانه كان يزن الرجال كما يزن تجار المعادن الذهب.
ومناسبة القصة جاءت في صياغ ايام الحج ونفوسنا تتوق للبيت العتيق ، وقد اعجزتنا المادة ، وماتبعه من انتشار الفيروس في بقاع العالم والشاهد في القصة كما رويت عنه ان اليقين بالله قمة الايمان والفرج مهما كانت الظروف .
فقد ذكر في كتابه المذطور اعلاه ” أن حاتم الأصم وهو من كبار الصالحين، حنّ قلبه للحج في سنة من السنوات ولا يمتلك نفقة الحج ، ولايجوز سفره بل لايجب الحج دون أن يضع نفقة الأبناء دون أن يرضوا.
فلما أقبل الموعد رأته ابنته حزينا باكيا وكان في البنت صلاح فقالت له: ما يبكيك ياأبتاه؟ قال: الحج أقبل، قالت: ومالك لاتحج؟
فقال: النفقة، قالت: يرزقك الله، قال: ونفقتكم؟ قالت: يرزقنا الله، قال: لكن الأمر إلى أمك، ذهبت البنت لتذكر أمها
وفي النهاية قالت له الأم والأبناء: اذهب إلى الحج وسيرزقنا الله.
فترك لهم نفقة 3 أيام، وذهب هو إلى الحج وليس معه ما يكفيه من المال، فكان يمشي خلف القافلة ، وفي أول الطريق لسعت عقرب رئيس القافلة، فسألوا من يقرأ عليه ويداويه، فوجدوا حاتم، فقرأ عليه فعافاه الله من ساعته. فقال رئيس القافلة: نفقة الذهاب والإياب عليّ. فقال:اللهم هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك لأهل بيتي.
مرت الأيام الثلاثة، وانتهت النفقة عند الأبناء، وبدأ الجوع يقرص عليهم، فبدؤوا بلوم البنت، والبنت تضحك!
فقالوا: ما يضحكك والجوع يوشك أن يقضي علينا؟ فقالت: أبونا هذا رزاق أم آكل رزق؟ فقالوا: آكل رزق وإنما الرزاق هو الله. فقالت:ذهب آكل الرزق وبقي الرزاق.
وهي تكلمهم وإذا بالباب يقرع، فقالوا:من بالباب؟ فقال الطارق:إن أمير المؤمنين يستسقيكم.
فملأت القربة بالماء، وشرب الخليفة فوجد حلاوة بالماء لم يعهدها! فقال:من أين أتيتم بالماء؟ قالوا: من بيت حاتم.
فقال: نادوه لأجازيه فقالوا:هو في الحج، فخلع أمير المؤمنين منطقه-وهي حزام من القماش الفاخر المرصع بالجواهر- ، وقال :هذه لهم. ثم قال: من كان له عليّ يد –بمعنى يحبني فخلع كل الوزراء والتجار منطقهم لهم ، فتكومت المناطق فاشتراها أحد التجار بمال ملأ البيت ذهباً يكفيهم حتى الموت، وأعاد المناطق إليهم . فاشتروا الطعام وهم يضحكون فبكت البنت!
فقالت لها الأم: أمرك عجيب يا ابنتي كنا نبكي من الجوع وأنت تضحكين، أما وقد فرج الله علينا فمالك تبكين؟!
قالت البنت: هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا «الخليفة» نظر إلينا نظرة عطف أغنتنا إلى الموت، فكيف بمالك الملك!!