لا يملأ العش إلا بانيها
في البيت خضار وعنب ونور وبعض الحطب، في البيت جلسنا وصلينا وتذاكرنا ولكن من في البيت إلا أنت، خالية الأوداج مرابعنا، خاوية قففنا رغم كل ما فيها، وهل يملأ البيت إلا من كانت فيه، وفيها كان نور البيت خفّف لهيبه، مالي أرى في البيت ظلمة، إحساس ابن أم أن النور عرف غيابها فدجى؟ ألُفُّ البيت بيتا بيتا، أحدّث ذا الجدار وذاك، استسقي مكانها، أسترجع صوتها، حركاتها هنا وهناك، هنا تشعر بالفراغ رغم ما فيه من صخب، فلا يملأ العش إلا بانيها، أيا هذا المكان الباهت الذي تركت للأم مساحة لا تقاس في البيت، مهما حاولت أن تلهى يلفك الفراغ، يدفعك للعزلة، تغطي المكان بضيف عزيز، إخ، أخت أو صديق، ولكنك تشعر واضحا بانفلات الحضور، تحاول أن تنسى، تحدث أخاك، تفتح ألف موضوع وموضوع، ولكن لصاحبة المكان قدسية لا ولن تنسى، حتى سنورنا الصغير في وجهه الكآبة، هل شعر هو أيضا بغيابها؟ لحظات وتخور البقرة هذا موعدها لتحلب وتطعمها، حتى حين يعلن الغروب مودعا وطفق الشفق يرسم لوحته المسائية تقدمت كلابنا تطلب العشاء في موعدها، فيصدمنا في كل هذا نظامها.
نستعيد شريط الذكريات من قيامها فجرا وهي تدب حتى آخر الليل، ونعود نحن من مرتعنا بريح الصبي وطيش الشباب، تداعبنا بعد العشاء فيندفع إحدانا إليها من أحب منا إليك؟ فتصمت وننتظر نحن الإجابة ببراءة الطفولة ومشاكسة الخلان لنعرف الجواب، فترفع يداها تشير إلى الأصابع، أيهم تريد أن أقطع، فنلمس أماكننا حسب الخنصر والبنصر والإبهام.
بقلم:د ساعد ساعد