رأي

الموضوع فيه “إنّ”

الكثير منا دون شعور حين ينتابه الشك في موضوع ما ، يقول على السليقة في الموضوع إنّ .فما قصتها ؟  ولما نكررها كلما تسرب الشك منه الى اليقين في أي حدث ما .

 البعض يعتقد انها من الموروث الشعبي وفقط  ، ولكن للقصة حكاية ، فقد ذكر ابن خلكان لضياء الدين ابن الأثير في كتابه المثَل السائر في أدبِ الكاتبِ والشاعر تفاصيل اعتماد اللسان العربي لهذا المثل بقصة فيقول: ” حدثَ خلافٌ بين الملكِ والأميرِ، وفطِن الأمير إلى أنّ الملكَ سيقتله، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى بلدة دمشق

فطلب الملكُ مِنْ كاتبِه أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ، يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب ، وكان الملوك يجعلون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي، حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك، بل وكان أحيانًا يصيرُ الكاتبُ ملِكًا إذا مات الملك

شعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا، ولكنه كتبَ في نهايتها يومها

” إنَّ شاء اللهُ تعالى “، بتشديد النون

لما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجبًا عند ذلك الخطأ في نهايتها، فهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شئ ما حينما شدّدَ تلك النون

ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى” إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك “

 فبعث الأمير رده برسالة عاديّةٍ يشكرُ للملكَ أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة :

” أنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام “بتشديد النون

فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى :

” إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها “

و اطمئن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر.

الدكتور ساعد ساعد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى