…أزمة إنسان !
لا أذكر أني كنت يوما من المتشائمين العابسين ،فانأ فقط أفضل الحق وإن لم يعجبني على الزيف وإن أعجبني ،فما نفع التفاؤل الواهم بدون رضا ! وما ضر التشاؤم مع وعيد بالتغيير !
الحقيقة الموجعة أني لا أرى في هذا المكان بصيصا يبزغ فجره ويبان للعيان ،فحتى البساطة أضحت صعبة المراس في هذا الوطن، بسبب ضيق هذه الأيام التي نعيشها، غلاء في المعيشة ورخص في العيش ،فأبسط متطلبات الحياة نتخاصم في الطوابير حتى نظفر بها ، فكيف آل مآلنا إلى هذا الحال ؟ !
لا تهمني أزمة قمح وزيت ،لا تهمني أزمة ملح وسكر، لا تهمني أزمة سميد وحليب ، فأنا على ثقة بأن الأزمة في هذا الوطن أبعد ببعيد وأكثر بكثير من مجرد أزمات وقتية تطفو على السطح كل حين، إذ هناك أزمة كامنة في الأعماق هي السبب الحقيقي وراء هذه النوائب التي أنستنا رغد العيش لوقت طويل، هي أزمة إنسان !
إنسان -حافظ ماشي فاهم- ضحية منظومة الخرطي والتبوقيل وتعليم -أحفظ بلاما تفهم ما جنينا منه غير الهم والغم ! إنسان محتار بين عادات رجعية لأجداده من قبائل قريش وبين تعاليم الدين الذي لا يعرف منه إلا “ربي حلل ربعة.” ! إنسان ضائع بين ثقافة فرنكفونية في المظهر وقريشية في الباطن ! وثقافة معربة في الباطن وعجمية في الظاهر ! إنسان لا يفرق بين حب الوطن وحب كرة القدم ! وبين اللاعبين والشهداء ! إنسان أمرضه مجتمع مريض بأفكار رجعية متخلفة أكل عليها الزمان وشرب ! إنسان به متلازمة عقدة النقص في الشخصية والعقلية ! إنسان يعيب الكفار والمشركين ويعشق أن يعيش في بلدهم ! إنسان ليس له من المبادئ إلا اسمها و لا يعرف الدين إلا في الأعياد ! إنسان متناقض لا يعرف ماذا يريد ولا يريد ما يعرف ! إنسان وجوده كعدمه وعدمه أحسن وأفضل !
إن كانت علتكم في الزيت والقمح فأبشركم يقينا أنها ستمضي ،أما إن كانت علتكم في الإنسان، فأقول لكم أنها أزمة ستطول وتطول إلى غاية أن نضيع ما بقي من الإنسان.
حورية أحمد