رأي

قصة خباز في الحجاز

وبينما كنا نرتشف بعض الشاي في كومة المجلس ، قلت للمشهداني قصتك عجيبة حقا مع ” الخبزة ” وذهبت احدثه عن ايامي في الخليج ، وكيف توفر المخابز انوعا من الخبز من دقيق البر ، والخبز الاسمر ، ودون مكملات وغيرها ، ولعل في ذلك صحي لك لو توفرت هذه الانواع هنا ، فقهقه الرجل مطولا ، حتى خفت عليه وقد سقط كاس الشاي من يديه ، فقال لي اضحك الله سنك يا صديقي ، اتعلم اني هاجرت للحجاز وبحثت عن وظيفة فلم اجد الا خبازا هناك ، فرضيت وشمرت على ذراعي ، وقلت لا خيار مدام ان ” الخبزة ” امامي وخلفي ، لدرجة انه ينتابني اشك ان تكون جدتي دعت عليا  بعد ان اعطيتها قارورة عطر فاسدة وجدت العطار قد وضعها على جنب ، واعطاني اياها بثمن بخص ، قلت ضاحكا : وما دعت عليك مثلا  قال : دعت عليا ان شاء الله  ” يا وليدي قدامك خبزة ومن وراك خبزة ” ضحكنا سويا ، قلت دعك من هذا حدثني عن عملك خبازا في الحجاز ، فعدل جلسته وقال : ايامي في المخبزة لا افرق فيها بين الليل والنهار، احس كأني عبد للعجين وسيد راع المخبزة ، اقوم بعد منتصف الليل اخلط العجين وارتبه وادخله الفرن حتى اذا استوى اخرجته وهكذا دواليك ، حتى ارى ضوء النهار وقد هاجمني من النافذة الحديدية التي وضعت بأحكام ، فأتعجب من كان يقطن في هذا البيت هنا ، وكيف هذه النافذة صغيرة جدا ، قلت له نوافذ البيوت القديمة لاهل الخليج وفي بوادينا تكون النوافذ عادة صغيرة كجزء من الستر وضرب من الحياء والحشمة ، لكن اكمل ماكنت تحدثني ، فاردف ، حين اخذ قسط من الراحة  اخلد جالسا على اريكة مهترئة عاجز ان اتحرك ، فيما الشوراع تغلي  بالحركة صياح اطفال  المدارس واصوات محركات السيارات توقظك رغما عنك  ، فتجدني وقد خارت قواي تماما ، حتى اني لا استطيع الصلاة في وقتها ، فاترك كل صلواتي الخمس للمساء فاهجم عليها جمعا ، وانا جالس وادعوا يارب سامحني يارب سامحني ، حتى اني حين اكون في جوف الصلاة راكعا او ساجدا، اتذكر كل الاحداث والمشاكل والاحاسيس القديمة والجديدة والمستقبلية ، فلا اعلم كم صليت اصلا ، قلت له  الله يهديك يا مشهداني  كنت اعرفك مواظبا على الصلاة ، فرد على عجل الله ” الله يهدي ويدي ” راع المخبزة  كان يعاملنا بفضاضة ، هو سبب ما كنت فيه ، يرانا مجرد الات وفقط ، يحسب عدد قطع العجين كانها نقودا قبل خروجها للباعة ، حتى ما يبس منه باعه لمربي الحيوانات  ، لا شيء هناك بالمجان ، فلا تسمع كما في بلادنا المحروسة اصوات ” خبز يابس ، خبز يابس ” هاهاها بضبط اوقات دوامنا بالدقيقة ، وانا تأخرنا انقص من رواتبنا وان زدنا بعض الساعات قال اعتبروها صدقة جارية في حياتكم .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى