عودة البصر والبصيرة
بقى نصف شهر ، كانه عاجز معوق ، لا يتحرك ، حتى اصبح يصوم فلا يحرج في قضاء الحاجة ، واكثر من البكاء والشهيق ، حتى ان الرفقة تأثرت لحاله ، وفي دواخله عرف السبب ، فقال لا حرقن ذاك الكتاب ثُمَّ لا اَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ المجاور نَسْفًا .
وبينما انتهت بعثة الحج عاد البناء ، وبمجرد عادت الطائرة لأرض الوطن لم يعد اصم وسمع صوت قائد الطائرة “دقائق وتحت الطائرة في مطار الجزائر الدولي “
حتى عاد اليه بصره وبعض سمعه الذي فقده هناك ، وفيما قدم القوم من الجيرة والخلان للمباركة ، اعتذر على عجل ودخل مخدعه واستلم الكتاب الوصية متحديا شيخه ذو ثلاث قبور بان لا يفتحه مرة ثانية ، فاذا بالكتاب ابيض لا خط ولا حرف فيه ، فتعجب اين الباب الفلاني واين تلك الخطوط العريضة والاعمدة والمثلثات والخلاطات الغريبة .
ومع ذلك فقد انبرى يسعى الى واد غير ذي زرع في البقعة الغربية ، حيث مصب واد النفايات القديم، ورمى الكتاب الوصية هناك وفر على عجل ، معلنا توبته الابدية ، واعتزل الناس واضحى قليل الكلام ، وقد علت لحية كثيفة محياه ، فيما بقى الزوار والمريدين والمرضى والممسوسين ينتظرون خروجه من مخدعه كل يوم ، بين من يقول وصله وحي يطلب منه العزلة ، وبين من يقول ان الشيخ يتعمق ويتعلم وكثيرة هي الاخبار التي تواردت عنه ، بينما هو في عزلته ليس بالمريض ولا بصحته ، يبكى مرات دون ان يعرف سبب بكائه حتى هو ، يتناول وجبة واحدة وفقط ، وقد يبقى يأكل طول اليوم دون ان يشبع .