رأي

ناصر قنديل للجزائر54: اسرائيل تلقت صفعة عسكرية وغزة ممنوع أن تسقط

يُعتبر في الشرق الأوسط مرجعا في تحليل الأحداث الجيوسياسية، ومدافعا شرسا عن القضية الفلسطينية والمقاومة في مواجهة الهيمنة الأمريكية الصهيونية. هذا هو الصحفي اللبناني ناصر قنديل، صاحب صحيفة البناء اللبنانية الصادرة باللغة العربية وموقع توب نيوز الإخباري. التي راحت الجزائر 54 تحاوره عن آخر التطورات على الساحة الشرق أوسطية.

س1- الأرقام تتهاطل، أكثر من 4218 شهيد، و13400 جريح، بغزة، غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ العزل، الكل ينظر ولا يحرك ساكنا، هل القانون الدولي لا ينطبق على الكيان الصهيوني؟

ناصر قنديل: أعتقد أننا لا نكتشف جديدا عندما نتحدث عن أن إسرائيل استثناء في المعادلة الدولية وهذا عمره من عمر وجود هذا الكيان، فالقرارات الدولية الصادرة عام 47 و48 وقرار 181 الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 47 ويتحدث عن تقسيم فلسطين، أي فلسطين 48 دون الضفة الغربية، إلى دولتين، (دولة إسرائيل ودولة فلسطين)، ولم ينفذ، والقرار 194 الصادر عام 48 ويتحدث عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم والتعويض لهم، ولم ينفذ، وهذان القراران أهم من كل القرارات التي صدرت من بعدهما، لأن دخول إسرائيل إلى الأمم المتحدة كعضو وقبول عضويتها كان مشروطا بقبول وتنفيذ هاذين القرارين، ولم ينفذا، يعني كان يترتب على المراجعة، لو أن الأمم المتحدة تحترم ذاتها وتحترم قراراتها أن تسحب العضوية وتطرد إسرائيل من الأمم المتحدة لأنها لم تنفذ، لكن هذا لم يحدث، بل العكس الذي حدث هو أن إسرائيل مثلا استطاعت أن تشطب التصويت على القرار 3376 الذي يصنفها ويعتبر الصهيونية كحركة عنصرية، وهذا كان يصوت عليه سنويا،
فمعاملة هذا الكيان الغاصب لفلسطين بصفته كيانا مدللا في المؤسسات الدولية لا تنطبق عليه القوانين، له آلاف الوجوه،

أنا أذكر في عام 2002 بعدما صدر قرار للجامعة العربية في قمة بيروت في تبني المبادرة العربية للسلام وكان رد شارون آنذاك اجتياح مخيم جنين وتدميره بالطيران وردم البيوت البسيطة المبنية من الطين…، والخيم فوق رؤوس الأطفال والنساء، قررت الأمم المتحدة وقرر مجلس الأمن تشكيل لجنة تحقيق برئاسة تيري رود لارسن، وعندما قالت إسرائيل أنها لن تسمح لهذه اللجنة بالقيام بمهامها، والذي جرى بدلا من أن تلحق العقوبات بإسرائيل، أُلغيت اللجنة، ولو لا هذا التصرف أصلا لما تجرؤوا اليوم على ارتكاب هذه المذبحة المفتوحة بحق الشعب الفلسطيني، وهم يعلمون سلفا أنه لن يكون هناك من يساءلهم، ولن يكون هناك من يحاسبهم.

بل العكس، الفاعلون في مجلس الأمن وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدير النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، أعلنت أنها تقف إلى جانب إسرائيل بعملية انتقام أسمتها الدفاع عن النفس.

تلقى الإسرائيليون صفعة عسكرية قاسية، ونجحوا أن يزوروها بمعونة أمريكية لتصبح عملية قتل الأطفال والنساء كذبا وزورا وافتراءا، وصارت الرواية لتبرر للأمريكي وللفرنسي وللبريطاني هذا الهرع إلى جانب اسرائيل، تحت شعار التعاون للدفاع في وجه الإرهاب، وعندما انكشفت الكذبة واعترفت الصحف العالمية التي نشرتها بأنها تورطت بكذبة دون أن تتحقق واعتذرت عن النشر. فحتى الرئيس بايدن اعترف بأنه ليس لديه إثباتات على ما سبق وقاله، لكن لم يتغير شيئا، حاملات الطائرات في المتوسط والمدمرات معها، والسفن البريطانية، وتحول نظام الحرية في فرنسا، وبريطانيا، وهما أعرق ديمقراطيتان في العالم، تحولا إلى أن يكون من يحمل علم فلسطين يجرم ويدخل إلى السجن.

نحن في الحقيقة نكون أغبياء ونكون منافقون إذا اعتقدنا للحظة بأنه يمكن أن نتحدث عن أمن للشعب الفلسطيني، إلا بالقوة.

من لا يريد أن يوافق على فكرة أن يكون للعرب إرادة قوية، كي يحق لهم أن يتحدثوا، وأنهم يبكون ومقهورون، ويشعرون بالتضامن وبالظلم للشعب الفلسطيني، إذا لم يقولوا هذا، فهم منافقون، إن كانوا نخب أو أحزاب أو شعوب، أو حكومات. ولذلك أعتقد، السؤال هو هل أن العرب لديهم الإرادة ليكونوا حاضرين بالقوة، فعندما فعلوا هذا عام 1973، غيروا معادلة العالم، واعترف العالم بأنهم يجب أن يأخذوا على محمل الجد، عندما حجب النفط عن الدول الغربية، وعندما اقتحم الجيش المصري خط بارليف، وعندما دخل الجيش السوري إلى الجولان، ووصل إلى ضفاف بحيرة طبريا.

نحن نناقش لنستخلص عبرا ودروس، من باب الترف في الحقيقة، لأننا سبق وتعلمناها ورسبنا في الصف مرات عدة، ثم أعدناها وتعلمناها، والآن نأتي لنسأل أنفسنا، كأننا في حالة ذهول ودهشة، هل يعقل أن المجتمع الدولي، لا يقيم اعتبارا للقوانين عندما يتصل الأمر باسرائيل، أنا أعتقد أن طرح السؤال من قبل أي عربي على نفسه أو على حكومته، أو على شعبه، أو على نخبه، هو مجرد نفاق، لأننا نعلم ونعلم ونعلم…

س2- الأستاذ قنديل، ما الذي يمكن فعله اليوم، لكي نتوصل إلى حل هذه الحالة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وما الذي بقي أن نفعله؟

ناصر قنديل: هناك حقيقة، أستطيع أن أعد لك ألف جواب بيد العرب، لكن اختصارا للوقت، سأعد لك فقط أمثلة:
ماذا تستطيع الدول التي تقيم علاقات مع اسرائيل: أن تقفل سفارات اسرائيل، أن تلغي عمليات التطبيع، أن تصفع اسرائيل بكل الاتفاقيات التي وقعتها معها، ممزقة ومردودة مع الشكر، فهل يجرؤون على هذا؟

هذا مع العلم أن كل الدول العربية التي أقامت علاقات مع اسرائيل، والتي طبعت مع اسرائيل، لا منافع ولا مصالح لها عائد لهذه العمليات، العائد هو لاسرائيل، والمنفعة هي لاسرائيل، فهل يجرأ أحد من هؤلاء أن يقول للاسرائيلي، هذه الاتفاقيات وهذه العقود، وهذه السفارات فزقنا ومزقنا ووضعنا في مغلف مرتجع مع الشكر. هذا يستطيعه هؤلاء العرب، فالعرب ليس مطلوب منهم أن يرسلوا إليوشن ولا أن يتخذوا مواقف خطابية وشعارية ولا أن يبكوا على المذبحة والمجزرة، هذا بالنسبة لهذه الدول.

وهناك دول لا تقيم علاقات مع اسرائيل، صحيح، لكنها تقيم علاقات مع كل الدول التي استنفرت لصالح اسرائيل، في بيانات علنية، عن أعلى مراتبها، في فرنسا، ماكرون تحدث، وفي بريطانيا تحدث رئيس مجلس الوزراء، وفي أمريكا تحدث رئيس أمريكا، فهل تجرأ هذه الدول أن تقول لفرنسا وبريطانيا، ولأمريكا، أن مستقبل علاقاتنا معكم رهنا بتصحيح مواقفكم من الشعب الفلسطيني، ومن الوقوف إلى جانب القاتل والمجرم الاسرائيلي، هذا سؤال، حتى الآن لا جواب عليه..

وهناك دول، وهناك تشكيلات سياسية عربية، تأخذ مواقف أكثر صلابة وهي أكثر وضوحا إلى جانب فلسطين وهي صادقة في خيارها مع فلسطين، أتحدث هنا عن الجزائر وسوريا والعراق، ولبنان، ويمكن أن يكون معهم آخرون إذا هم تحركوا، هنا سؤال، هل تتداعى هذه الدول إلى قمة مصغرة، لأصدقاء الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، لاتخاذ مجموعة من المواقف الموحدة.

فبالأمس كان بيان وزراء الخارجية العرب مشينا ومهينا بمساواته بين الجلاد والضحية، وتحفظت الجزائر وسوريا والعراق ولبنان وثبت أنهم مجتمعين على رأي واحد، فلماذا لا يرتقي هذا الرأي، إلى مستوى قمة، يحضر فيها رؤساء، وتصدر عنها مواقف صلبة وثابتة، وقد حدث هذا في التاريخ العربي، كانت هناك جبهة صمود وتصدي، وكانت هناك أشكال كثيرة من التنسيق، من قلب الإطار العربي العام، يلتقي فيه المتفقون على موقف من فلسطين. وكيف سيقدمون الدعم الإنساني على الأقل، ويجرون الاتصالات، ويحملون مصر والأردن، المسؤولية، لأنها على الحدود، وليس شيء آخر، لأنها المعبر الذي سترسل منه المساعدات، ولسنا بحاجة إلى تنسيق مع اسرائيل لإرسال المساعدات، ونقول لاسرائيل اقصفي الشاحنات والمساعدات ولندع كاميرات العالم أن تصورها على الهواء.

طبعا أنا أعذر بعض الدول العربية لظروف خاصة، وسوريا بالأخص، ليس تمييزا بالمحبة لسوريا، بل لأن سوريا جريحة، ولأن سوريا رغم كل جراحها ومعاناتها، كانت تشكل منذ اليوم الأول، لأول إشارات تعافيها، قاعدة للمقاومة، ويقال أن المناورات التي أجرتها حماس من أجل عملية الطوفان الأقصى، أجرتها في سوريا، خلال الشهور التي أعقبت المصالحة بينها وبين سوريا، وباقي الآخرين، أقول لهم أحبكم وأقدركم وأعزكم، وأحترمكم، لكنني الآن في حيرة من أمري، تجاه كل هذا، لأن ولا أحدا، لا يتخذ موقفا بحجم الحدث الذي يجري، ثم نصل إلى أن، هل غزة متروكة، أنا أقول، غزة ليست متروكة، أقول، لأن العالم لا يفهم إلا لغة القوة، ولأن القوة الصاعدة على مستوى الأمة، والتي اعتبرها هي جيش العرب الأول، هي المقاومة في لبنان، فأقول أن أنظارنا جميعا تشخص إلى هذه المقاومة وإلى سيد هذه المقاومة، وكلنا ثقة، وكلنا يقين، بأن الذي يجري على الحدود الجنوبية للبنان، ليس إلا تمهيدا للانخراط الأوسع والأبعد مدى، ما لم تتوقف المذبحة، وأعتقد أننا سمعنا جميعا كلام وزير الخارجية الإيراني الذي كان ينقل الخطوط الحمراء عن سماحة السيد حسن نصر الله، وأبلغها في الدوحة وأوصلها للأمريكيين، ونحن ننتظر نتائج هذا، لأنه لم يعد لنا من يمكن أن نستجير به وأن تشخص أنظارنا إليه، إلا المقاومة التي عودتنا إن وعدت وفت، وبأن موقفها دائما هو الوعد الصادق.

س3- أستاذ ناصر قنديل سؤال أخير، هل الدول التي هي اليوم معنية بالقضية الفلسطينية، كالدول العربية والاسلامية، هل تتوفر على القوى، وما هي القوى أو ما هي العوامل التي يمكن أن تتكل عليها هذه الدول في الدفاع بطريقة فعالة على القضية الفلسطينية، ونعرف أن بعض القوى العظمى كما تسمي نفسها، كأمريكا وفرنسا، وبريطانيا وغيرها، متمكنة عسكريا؟

ناصر قنديل: أعتقد أن هذا الكلام كان صالحا قبل 10 سنوات أو 20، أو 30 سنة، يعني منذ انهيار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي، تسيدت أمريكا بأحادية الهيمنة على العالم، لكن نحن نتحدث على عالم يتغير، والحكومات نفسها العربية والإسلامية، دخلت إلى البريكس، فالسعودية ومصر بالأمس، دخلتا قبل الجزائر، التي هي صاحبة موقف أكثر وضوحا، في مواجهة مشروع الهيمنة، يعني هم يعرفون أن العالم يتغير، وأن حسابات المصالح هي التي أخذتهم لينخرطوا في أطر وعلاقات لا ترضي الولايات المتحدة الأمريكية، السؤال هل يعتبرون أن فلسطين، هي جزء من نظام المصلحة، نحن سمعنا الكثير من الصحفيين والمثقفين في الدول التي قامت بالتطبيع، يقولون لم تعد فلسطين أولوية لدولنا وحكوماتنا. أعتقد هذه هي المشكلة، وليست في معرفة كيف يمكن الدفاع عن المصلحة، لأنه عندما أرادت هذه الدول أن تدافع عن المصلحة، جاء بايدن وبمسألة شديدة الحرج، خلال ال6 أشهر الأولى من الحرب الأوكرانية، ووضع ثقله من أجل أن تضخ السعودية مليوني برميل نفط يوميا، لأن مصلحة السعودية هي الحفاظ على سعر برميل النفط، وقالت لا، وذهبت بالتنسيق مع روسيا، وقررتا معا من خلال أوبيك+، تخفيض الإنتاج إلى مليون برميل، ولم تأبه السعودية للغضب الأمريكي، وعندما قررت السعودية أن تصالح إيران، لم تستشر أمريكا، بل العكس ذهبت إلى الصين وكانت الصين هي الراعي للمصالحة الإيرانية السعودية، وتعلم السعودية أن هذا يغضب أمريكا.

الآن المشكلة لدينا هي في نظام المصلحة، وهل أن فلسطين فعلا تقع في قلب نظام المصلحة، أم أن حكومات الدول العربية في أغلبها الأعم، قد أخرجت فلسطين من أولوياتها، وهي عندما تتحدث بها، لأحد السببين، إما لأن الشارع ليس جاهزا بعد لأجيال، وإما لأن فلسطين تفرض حضورا كما يحدث الآن، يصبح مستحيلا تجاهله في منظومة الاستقرار الإقليمي المطلوب، ودورة العلاقات ودورة المصالح.

س4- ما هي قراءتكم، فكل المعطيات تدل على محاولة استئصال الفلسطينيين من أراضيهم، في إطار تصفية عنصرية وعرقية ، كما تصفه وسائل الإعلام؟

ناصر قنديل: اسرائيل لم تعد بالقوة التي كانت عليها، وهي في أضعف أيامها، رغم كل القصف والدمار، فهي بالطائرات والمدافع تستطيع أن تقتل وتحاصر، لكن في المواجهة، المعركة التي جرت في غلاف غزة، هي التي تقول القدرة الحقيقية للقوة العسكرية الاسرائيلية، حيث 15000 جندي وضابط ينتشرون في منطقة غلاف غزة في 25 موقع على مساحة تخص هذه المواقع (100كيلومتر مربع)، أي ربع مساحة غزة، وإجمالي مساحة الغلاف ضعفي مساحة غزة، ورغم ذلك، بألف مقاتل فلسطيني، سقطت المنطقة وسقطت القواعد، وانهارت منظومة الأمن والدفاع المربوطة بالأقمار الصناعية، وبأحدث الأجهزة الالكترونية، وبأعلى مستويات الأمن العسكري والسياسي.

وبالتالي هذه هي قدرة اسرائيل، لذلك الآن تستقوي اسرائيل بالصمت العربي، وبالتواطؤ الدولي.

حسنا، قدر الفلسطينيين، أن لا يكون معهم إلا من يملك الاستعداد والجرأة والشجاعة، والحمد لله، أن لدينا مقاومة في هذه الأمة، مستعدة لفعل هذا، وأننا الآن في دائر الأيام الحرجة، التي سوف نشهد فيها، أحد ثلاثة، خلال أيام قليلة، إما رضوخ اسرائيلي لمبدأ وقف إطلاق النار وفك الحصار، وبدأ التفاوض غير المباشر على تبادل الأسرى، وإما بدأ العملية البرية، وعندها سوف يلقى الاسرائيليون ما يستحقونه من عقاب على جرائمهم، يشبه ما جرى في غلاف غزة.

وإما المضي فيما هم عليه الآن، وعندها، أنا أعد، أن المقاومة في لبنان ستكون قد حزمت أمرها وأخذت قرارها، لأن غزة ممنوع أن تسقط.

إيناس.ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى