مهاتير رؤيا ونموذج
حتى وان تسارعت الاخبار من كل صوب وحوب ، معلنة عن وفاة الرجل الماليزي النموذج محمد مهاتير رئيس وزراء ماليزيا قبل تأكيد أي خبر رسمي ذلك بعد نفى عائلته الخبر، وهو القائل في ما عرف في رسالته الموسومة ” معركتي الاخيرة ” : “أريد انهاء عمري في الطاعة والسجود لله .. وأُمنيتي الوحيدة ألا يُمدح اسمي بعد مماتي ” .
الا انه من الاجحاف بمكان ان لا يذكر اسم الرجل حيا كان او ميتا لقدر الله ، ليس في دعوات الشفاء له وهو على فراش المرض ، ولا لتزيين سجل التعازي على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من الفضاءات الاخرى ، وانما يجب واقول يجب ان تدرس تجربة مهاتير في اروقة الجامعات ونخبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفاعلين في المجتمع . فالرجل نقل وانتقل بماليزيا من دويلة تعيش الويلات والفقر ، الى دولة لها حضور وقوة في البناء والتطور والرقي الداخلي ، رغم ان فترة رئاسته للوزراء تعتبر اطول فترة قاربت الاربعين عاما . جعل منها دولة صناعية متقدمة يساهم قطّاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من اجمالي الصادرات.
ولطالما تحدث الرجل عن التغير والبناء والسبيل لقيادة المجتمع، الذي يجب أن يخضع لعلماء النهضة الاقتصادية والتكنولوجية لا أن يكون خاضعا للوعاظ . متحدثا في اكثر من خطاب وطبقه في الواقع بقوله ” بضرورة توجيه الجهود والطاقات نحو الملفات الحقيقية في مجتمعاتنا خاصة : الفقر والبطالة والجوع والجهل . واليوم الزائر الى ماليزيا يرى تحفة معمارية اقتصادية ، حتى ان الكثير من رجال الاعمال العرب استقروا هناك . ويعتبر الدخل الفردي للشخص في ماليزيا من احسن المداخيل في العالم .
مهاتير كان يؤمن بالفكر الجامع الشامل ، وماليزيا تحوز اعراقا ومذاهبا متنوعة ، وقد تمكن من جمعها في بوتقة واحد نهضه ماليزيا وفقط ، فكان دائما يردد ان ” الانشغال بالأيديولوجيات ومحاولة الهيمنة على المجتمع وفرض أجندات ووصايا ثقافية وفكرية عليه لن يقود إلى إلا مزيد من الاحتقان والتنازع ،فالناس مع الجوع والفقر لا يمكنك أن تطلب منهم بناء الوعي ونشر الثقافة ” داعيا الى ان نتجاوز آلام الماضي وننحاز للمستقبل ” وكان صريحا في موضوع حريات التعبير وخاصة مع الاعلام فقال ان ” الصحافة الحرة ليست مطلقة . في هذا البلد – يقصد ماليزيا- نقول بوضوح إذا بدأت إثارة الكراهية العنصرية ، فسوف نوقفها لأن هذه الأشياء لا تؤدى إلا إلى الكثير من أعمال الشغب و إراقة الدماء ” لذلك اردت من هذا المنبر ان تفتح مجالات البحث للاستفادة من تجربة مهاتير لنخبنا السياسية في السلطة والمعارضة ، فالتجارب الناجحة نموذج للاقتداء