صحافة الحلول ..نحو رؤية أوسع للمهن
تملي تمثلاث “الإعلام الجديد” وتمظاهراته في بيئة النشاط المهني والعلاقات المصاغة مع “الجمهور ” ضمن التحولات والمتغيرات المستجدة في حقل الممارسة خروج “الصحافة ” من طابع الأعباء التقليدية التي تقع رمزيا ومهنيا على ممارسي مهن “الصحافة” كتقديم “الأخبار ” والاكتفاء بهذا السقف المتوقع والمعتاد إلى التوجه لمفهوم وطرح أكثر اتساعا نحو المهنة والكيان المعبر لها.
ولعل “صحافة الحلول” من المفاهيم الاستراتجية التي يحتاجها مشهدنا الإعلامي والمجتمع والفواعل المؤسساتية ضمن نسق متصل.. فالصحفي بقدر ما هو مهني وهو الثابت في سلم القيم وتشريعات المهن الإعلامية.. بقدر ما يحركه حس المواطنة وثقافة الواجب والالتزام بالخدمة العمومية ليكون صاحب دور فاعل أساسي في المجتمع وفي إثراء الحياة المؤسساتية بالأفكار والتصورات التي يمكن أن تصاغ من مسار إعلامي قابل للتقييم والإثراء وهذا أول ما ترتكز عليه صحافة الحلول.
إن الصحفي يشكل فعلا قوة اقتراح بناءا على ما يملك في رصيد الممارسىة الميدانية من معطيات وأخبار يمكن أن تصوب وتنبه نحو مسارات ضمن نسق مهني للنشاط الاعلامي يتجاوز طابع “التكليف” وصحافة “الخبر ” وهذه مقاربة يجب الانتباه إليها خاصة من قبل الممارسين للمهنة الصحفية وللاعلام السمعي البصري والفاعلين في الصحافة الإلكترونية التي يمكن أن تكون مدخلا لتحريك ثقافة صحافة الحلول في الممارسة وفي الخطاب الإعلامي الموجه للمؤسسات وقبل ذاك الخط المنتهج مهنيا في التواصل إعلاميا مع احتياجات المجتمع ونظرته نحو “الصحافة” .
إننا في حاجة ماسة لصحافة تقوي المؤسسات وتثري الحياة المؤسساتية بافكار فاعليها ونخبها ومن ينشر فيها قابل للتوظيف وهي رؤية أرافع عنها منذ سنوات ايمانا منا بأن للصحافة دور تنموي فعال لم يتحرك كثيرا في مشهدنا الوطني وهذا رغم الجهد الجبار الذي يبذل في العديد من المنابر الإعلامية وبهمة فاعلين مهنيين.
إن العديد من القضايا والانشغالات ذات الطابع الاجتماعي وحتى التنموي يمكن للصحفي فيها أن يساهم بأفكار ومقترحات ترد في نصوص صحفية منشورة وعلى المؤسسات أن تقترب من هذا الأداء الإعلامي الفعال وتزنه جيدا لأنه ايقاع خارج “الخبر ” ويمكن أن يحول “الصحفي “وحتى” الإعلامي بمفهوم أكثر اتساعا وتاطير إلى فاعل وشريك أساسي للمؤسسات والقطاعات في أداء الخدمة العمومية.
إن ثقافة التخصص الإعلامي التي تخاطب مهنيا وضمن نسق “المحتوى ” المجال المتخصص يمكن أن تكون مرتكزا أساسيا لـ “صحافة الحلول” التي تجد الحلول لمشاكل وانشغالات مطروحة في المجتمع وضمن إطار الخدمة العامة وقضايا التنمية وتحدياتها بما يعنيه المعنى رمزيا وعمليا ضمن اسقاطات الواقع والممارسة.
لذا أضحى المفهوم “صحافة الحلول” من المفاهيم والمقاربات الهامة والاستراتجية التي تقترب من دور حضري وتنموي لـ”الصحافة ” يتجاوز صور وأفكار نمطية قد ترسم في ذهن باقي الفواعل التي تتعامل مع “الصحافة” بطرح ظرفي وضيق دون تعميم في السياق.. فالصحافة هي كيان قبل كل شيء يضيف ويكمل بناءا مجتمعيا ومؤسساتيا ولعل الارتكاز على منظار “سوسيولوجيا الإعلام” هام في طرح هذا المفهوم ضمن الأوساط المهنية الإعلامية وضمن النسق الآخر الذي تصاغ معه العلاقات اجتماعيا ومهنيا مع المجتمع ضمن ممارسة المهن الإعلامية بالأخلاقيات المعروفة والمرجعيات القانونية المضبوطة.
بقلم د.محمد مرواني / أستاذ جامعي في الإعلام والإتصال