رأي

تخلفا عن زمن الأبيض والأسود الذي أوصل أفلاما جزائرية إلى قاعات عالمية : صراع المشهد السينمائي الجزائري الحديث بين وفرة المواهب وندرة الإنتاج

أجمع العديد من الممثلين والمهتمين بالإخراج السنيمائي و كذا حاملي الشهادات العليا في السينما على أن المشهد السينمائي في الجزائر يفتقر للاهتمام والدعم كما هو بحاجة ماسة إلى التفاتة جدية من طرف السلطات المعنية للنهوض بمجال السينما في الوطن يرقى عصورا مضت من الإبداع وليواكب دولا سبقتنا بسنوات في انتاجها السينمائي.

الممثل مشرنن جعفر : ”  تنقصنا الإرادة السياسية الصادقة للمضي بالصناعة السينماتوغرافية قدما”

صرح الممثل مشرنن جعفر ابن ولاية تلمسان لدى حوار له مع جريدة ” الشباب الجزائري ” حول سبب قلة الإنتاج السينائي الجزائري الذي أرجعه لعدة عوامل منها عزوف المخرجين عن العمل السينمائي وتوجههم للعمل التليفزيوني و عدم وجود أرضية سينمائية صلبة  وكذا غياب سياسة وارادة فعلية للقائمين على الشأن الثقافي من أجل تطوير السينما، كما يقول الفنان جعفر ان نقص الكفاءة في التسيير و البيروقراطية خلق الصعوبات امام المنتجين الحقيقيين و عدم تكافئ الفرص ومنح الفرص لمن لا يستهل ما أدى إلى هجرة و هروب الكفاءات السينمائية للخارج. أما عن واقع السنيما في الجزائر فيقول الفنان جعفر في هذا الصدد أن السينما الجزائرية قد مرت بعدة محطات مختلفة ، تميزت كل محطة بالاختلاف عن غيرها و مما لا شك فيه أن نهاية الستينات و السبعينات  كانت بمثابة الفترة الذهبية للسينما الجزائرية ثم تراجعت في فترة الثمانينات و عرفت ركودا كبيرا في التسعينات نظرا للظروف الاجتماعية و الاقتصادية و خاصة السياسية و الأمنية ، حيث كانت العشرية السوداء سببا مباشرا في هذا الركود

لتنتعش في بداية الألفية الثانية مع مخرجين كبار على غرار رشيد بوشارب واحمد راشدي و غيرهم بأفلام تركت بصمتها للمتلقي الجزائري و حتى العربي و استطاعت ان تنافس عربيا و دوليا مثل فيلم العقيد لطفي و فيلم الخارجون عن القانون و التائب و غيرهم كما ترشحت بعض الأفلام لجوائز عالمية في كبريات المهرجانات السينمائية الدولية على غرار مهرجان كان و جوائز الأوسكار. وكحلول فعالة اقترح جعفر مشرنن، خلق ارادة سياسية صادقة للمضي بالصناعة السينماتوغرافية قدما و وضع مخطط  ثقافي يشرف عليه كفاءات اكاديمية و ميدانية لها تجارب في الميدان وكذا انشاء مدينة سينمائية وفق معايير دولية حديثة و  فتح مدارس متخصصة و ترك زمام الامور للقطاع الخاص وتشجيعه في الاستثمار في الميدان الثقافي اضافة الى  التكوين والتأطير والاهتمام بالعنصر البشري.كما نشير بالذكر إلى أن الممثل جعفر مشرنن  شارك في العديد من الأعمال السينمائية أهمها : فيلم بلمسايب لمخرجه محمد حويدق و سيدي بومدين لمخرجه مزاحم يحي ، و اجتماع قادة الثورة لمخرجه احمد راشيدي.

الممثل والمهتم بالإخراج كريم حمزاوي : ” مستقبل السنيما في الجزائر سيصنعها الشباب المبدعين ولاحظنا بوادر ذلك ”

أثنى الممثل السينمائي كريم حمزاوي المشارك  بدور البطولة في فيلم ” حراقة بلوز ” رفقة المخرج موسى حداد على دور الشباب الفعال في تغيير مصير السينما الجزائرية ورسم مستقبل ناجح لها، ضاربا المثال بالشاب ” بن عبد الله محمد ” ابن ولاية سيدي بلعباس الذي اخرج فيلم “حليم الرعد” بامكانياته الخاصة واعتبره من الأفلام الناجحة جدا، كما أضاف في ذات السياق ان الشباب الجزائري يمتلك الموهبة سواء كتابة او تمثيلا او إخراج ودليل ذلك العديد من الشباب اللذين تكبدوا مشقات اعمالهم الفردية وشاركوا في مهرجانات عربية ودولية و مثلوا السنيما الجزائرية أحسن التمثيل.أما في ما يخص التحديات التي تواجهها السنيما الوطنية فقد رأى الممثل كريم حمزاوي  أن أهم  التحديات التي يواجهها العمل السينمائي هي  إيجاد منتجين و موزعين ، و عدم توفر الأجهزة اللازمة للبث في القاعات الخاصة و التي تعد على الأصابع، ما يجعل الممثل في حالة انتظار لنصوص ومخرج تصنع منه روحا ومجالا للإبداع، كما أرجع الاحتشام الذي يعرفه الانتاج السينمائي إلى قلة  الدعم المادي للقطاع المتكلف بذلك. وقال كريم حمزاوي لدى سؤاله عن المانع من انتاج اعمال مماثله لتلك الاعمال السينيمائية جد الناجحة التي جسدت احداث الثورة الجزائرية وعرفت بأبطالها رغم تواضع الامكانيات، أن الافلام التاريخية بالنسبة له تشكل شيء جميل للوطن لكن بالنسبة للجيل القادم فلن يجد الروح في البحث عن القصة الأصلية بالمطالعة، حيث أن السرد السينمائي يحتمل عدم إعطاء الشخصية حقها كما يمكن العكس .ولكن ما ينقص السينما حقا في الجزائر هو المهرجانات والنوادي السينمائية   كنادي ”  درب السينما في تلمسان “

المخرج مفتاحي محمد الأمين : ” يجب البحث على أنماط سينمائية بديلة وأفكار جديدة تُحدث تغييرا سينمائيا جدريا مستقبلا”

أكد الشاب مفتاحي محمد الامين صاحب ال 27 سنة، كاتب سيناريو ومخرج سينمائي  ، متحصل  شهادة ماستر تخصص فنون ، أخرج العديد من أفلام على غرار جذور الشجرة، القرار، دير الخير تلقاه ، الكنز الأسود، لجريدة ” الشباب الجزائري ”  على أن  تخصص السينما من تخصصات المستقبل  نظرا لارتباطه بالتكنولوجيا و التقدم الهائل الذي يشهده مجال التصوير و السينما ، الأمر الذي يوجب على الجامعات الجزائرية أن تكوِّن الطالب تكوينا مكثفا وفق برامج متوازية بين النظري والتطبيقي حيث ترتكز هذه الدراسات بشكل كبير على التمرن و التعلم لكونها صناعة، كذلك يجب النظر إلى تحليل الأفلام من صنف الخيال العلمي و التركيز على التأثيرات البصرية VFX و  CGI كونها أكثر مشاهدة و طلبا مقارنة بالأصناف الأخرى كما علق على الكم الهائل من المتخرجين والمواهب التي تنتظر فرصا على أنها أزمة محدثة في عدم الإستثمار  بالكفاءات الشابة التي قد تغير مجرى السينما وتقودنا إلى مستوى أرقى  من الأزمة المحدثة التي نعيشها سواء في مجال الإخراج أو في مجال التوزيع السينمائي الذي أثر سلبا خاصة في الآونة الأخيرة على إهتمام المشاهد، لذلك يجب البحث على انماط سينمائية بديلة وأفكار جديدة تُحدث تغييرا سينمائيا جدريا مستقبلا . كما يضيف أن السينما العربية شكلت  تغييرا جدريا  في مسارها الإبداعي وذلك من خلال  الأفلام التي أنتجتها طيلة عقود من الزمن، حيث  عُرفت هذه الأفلام بتميزها و موضوعاتها العديدة والمتنوعة فكانت بحق رائعة لكونها لامست المشاكل التي تعاني منها أغلب المجتمعات العربية، في حين تعتبر السينما الجزائرية حديثة المولد قياسا لمثيلاتها، المصرية خاصة والعربية عامة، وإرتبطت بالإحتشام الذي يعتبر من أسس  المجتمع الجزائري الذي يزاوج بين الدين والثقافة و يعتبرهما ركيزته المثالية،في حين نرى غزو السينما الغربية  لعقول بعض المخرجين العرب و  تأثرهم بها  بل إنحيازهم لها.أما  أزمة السينما في الجزائر فقد أرجعها المخرج مفتاحي محمد الأمين إلى انشغال الفيلم الجزائري بشكل عام ومنذ بداياته الرسمية مع الثورة المباركة بالفيلم التسجيلي الروائي وحركته ابداعا وانتاجا وتوزيعا ، لذلك وفي هذا المضمون يمكن ان يكون  الفيلم مستقلا فقير الميزانية والموارد غني من حيث الطاقم ، في حين قد يكون من إنتاج ودعم بل و تفتح له كل الأبواب لكن ما يصدم عقولنا ويربك جهودنا هو عرقلة الآفاق و الحريات و توجهات الفيلم حيث تضيق السبل أمام السيناريوهات التي لاتزال  تتدحرج بين الضوء و الظلام، و تخضع لمعايير السلطة التي تُحرم على السينما التحرر .وفي الأخير اعتبر مفتاحي الجمهور العنصر الاساسي في انتعاش السينما لأنه الممول الحقيقي لها  فبدون جمهور محب للسينما لا نستطيع أن  نرتقي إلى مستويات أعلى و أفضل، كذلك قلة دور العرض  تعتبر  من أهم اسباب تقهقر السينما في الجزائر، إذ أصبحت  في الآونة الأخيرة  تابعة للبلديات و أغلبها مغلق او تم تحويل مهامها.

المصور أكسل منديل : ” ما نراه اليوم في بلدنا  بعيد كل البعد عن مصطلح السينما، لنكتفي بمصطلح آخر  أسميه “أفلام جزائرية “

اعتبر الشاب أكسل منديل بصفته شاب يحمل شهادة عليا في مجال السينما والعامل في مجال التصوير والإعلام بعيدا عن تخصصه،  أن موضوع شهادته في السينما هو مجرد اعتراف على الأوراق الإدارية فقط ،حيث أكد أن فترة تكوينه على مدى الخمس سنوات في الجامعة لم تقتصر الا على جانبها النظري فقط مقصية تماما الجانب التطبيقي او التجريبي، وحث بدوره على الاجتهاد الفردي  والعمل من أجل الارتقاء بالمستويات المطلوبة في المجال دون الاعتماد على ماتقدمه الجامعة وحسب.ويظيف الشاب اكسل في هذا الصدد أن الإضافة الوحيدة التي يمكن ان تقدمها الجامعة الجزائرية للسينما هو تكوين أساتذة نظريين في هذا التخصص ” نظريين و فقط ” ما يوجب على الطالب بذل مجهود أكبر.

كما يرجع سبب تدهور الحالة السينيمائية في الجزائر إلى ذلك غياب الثقافة السينمائية في البلاد بمعنى غياب دور العرض، رغم تواجد البعض لكنها مغلوقة للأسف الشديد …يقول و حتى  المجتمع الجزائري لا يملك ثقافة شراء تذكرة و الذهابأ إلى قاعات العرض لمشاهدة الأفلام، هذا التصرف الذي قد   يساهم في إنجاح العمل  السينمائي و بالتالي زيادة وتيرة الأفلام من حيث الوفرة و التنافس  ويعتبر أن غياب شركات الإنتاج السينمائي و أستديوهات التصوير  واستعانة  الدولة بإستديوهات بلدان أخرى ما ينتج زيادة في تكاليف العمل السينمائي هو عامل أيضا يساهم في ضعفها ،وكحلول مقترحة لانقاد  الكم الهائل من المتخرجين من معاهد السينما دون تقديم ادنى فرصة لهم لولوج المجال يرى الشاب منديل أكسل أن إبرام  صفقات و اتفاقيات مع الهيئات المختصة..كوزارة الثقافة  ووزاة المجاهدين  بحكمها هي المنتجة لأفلام الحرب، و غيرها من الهيئات سيساعد بشكل كبير في تكوين الطلاب المنتمين لهذا التخصص في تنمية قدراتهم و الوصول إلى شغفهم …وفي الأخير يظيف أكسل منديل أن السينما الجزائرية اليوم بعيده كل البعد عن المستوى المرغوب به ، هذا إن كانت هناك سينما جزائرية حقا فما نراه اليوم في  بلدنا  بعيد كل البعد عن مصطلح السينما ليكتفي بمصطلح آخر  أسميه “أفلام جزائرية “،فالسينما عالم كبير لا يقتصر في إنتاج الأفلام فقط .وحتى لو وقفنا عند هذا الحد أي” الأفلام “فأنا أرى  أننا في حاجة إلى إعادة النظر في الجانب ،حتى لا نكون سلبيين جدا لكن أظن أنه رغم هذا النقص  إلا أن هناك محاولات لا بأس بها ومقبولة.ليبقى عالم السينما الجزائري في عصرنا الحالي يصارع وفرة المواهب الراكدة والانتاج المحتشم، بين أعمال سينمائية صنفها الكثيرون ضمن أعمال رديئة إلى متوسطة بعيدة كل البعد عن.تلك الافلام الجزائرية المنتجة في زمن مضى بوسائل بسيطة الى انها وصلت شاشات عالمية وتحدى صوتها صدى العالم، فأين يكمل الخلل وإلى متى يستمر الركود.

من إعداد: أ. صحراوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى