رأي

الجزائر ولمّ شمل الأمّة العربيّة

في الوقت الذي تعكف فيه الدولة الجزائرية على إيفاد مبعوثيها إلى ملوك وقادة العالم العربي لتسليمهم دعوات رسمية من أجل تشريفها بحضور القمة العربية المزمعة مطلع نوفمبر المقبل، كانت مدينة وهران غربي الجزائر محجا للنخب والمفكرين من مختلف المجتمعات العربية شاركوا على مدار خمسة أيام كاملة في “منتدى تواصل الأجيال”.
المنتدى الذي انعقد خلال الفترة الممتدة من 10 إلى 15 سبتمبر 2022 تحت عنوان (تواصل الاجيال من أجل دعم العمل العربي المشترك) عرف مشاركة حوالي 130 مشاركة ومشاركا من أبرز الوجوه الفاعلة في المجتمع المدني جاؤوا من 19 دولة عربية، استجابة لدعوة المرصد الجزائري للمجتمع المدني وكلهم أمل في نقل صوت وطموح وآمال مجتمعاتهم ورفع انشغالاتهم للقادة العرب الذين سيجتمعون في غرة نوفمبر بأرض الشهداء .
ورغم التباينات والاختلافات التي تجلّت لدى الحاضرين خلال المنتدى بسبب التفاوت في وضعية الشعوب العربية ، إلاّ أن الملاحظ ان العروبة والانتماء والهدف كان واحدا، وكان هو العامل المشترك الذي جمع ووحّد الوفود المشاركة .
بتنظيم هذا المنتدى الجامع تكون الجزائر قد حققت نجاحا باهرا بإظهار صورة موحدة مفادها ان العرب بمشاربهم ومآربهم، على قلب رجل واحد، كما أعادت التذكير بأن المجتمع المدني لطالما استحق الالتفاتة والاهتمام لأنه القلب النابض لمجتمعاتنا، والطاقة الحقيقية التي تشكل الرافعة التي تسمو بمجتمعاتنا وترتقي بها الى العلا .
مبادرة المرصد الجزائري للمجتمع المدني بالتعاون مع وزارة الخارجية الجزائرية تستحق الاشادة والثناء، ولن نجرؤ معها على القول إن هذه الفكرة قد تأخرت، لأنّ المرصدَ الذي بالكاد يمر سنة على انشائِه قد بادرَ بسرعة إلى انجاز مثل هذه المنتديات التي ظلَّت مُغيَّبة عن المشهد العربي.
حتى وان كان التفكير في إرساء قاعدة لتعاون عربي مشترك قد تأخر بالنظر لتسارع الأحداث الدولية فإن حدوثَ الأمر مع بعض التأخير، أفضلُ من عدم حدوثه أصلاً.
لذلك، فنحن مدعوُّون جميعا إلى الانخراط في هذا المسعى الذي لطالما راهنت عليه الدول الغربية في مجتمعاتها وأكثر من ذلك باتت تتطلع للتغلغل في أوساط مجتمعاتنا تحت ذرائع مختلفة.
المرصد الوطني للمجتمع المدني في الجزائر جاء ليملئ فراغا لطالما تم استغلاله من بعض الاطراف داخليا وخارجيا، فأما داخليا بقطع الطريق أمام بعض رجال الاعمال واصحاب النفوذ والاحزاب السياسية التي كانت تتوارى خلف بعض الجمعيات والمؤسسات المجتمعية لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية دون ان تظهر في الواجهة، فهو يدخل في صميم تنفيذ رؤية الرئيس عبد المجيد تبون للقضاء على الفساد السياسي وتنظيف المشهد السياسي في الجزائر . وأما خارجيا ، فعبر توظيف بعض الجمعيات والمؤسسات الأهلية من قبل اطراف خارجية قصد التغلغل داخل الأمصار العربية تحت ذرائع شتى، بعدما انْزوَى الغربُ إثر تراجع سَطْوَته على بلدان العالم الثالث في الحقبة الاستعمارية ليبحثَ اليوم بِـتُـؤَدَة ودون أدنى شعور منه، بأنّ الأمورَ سيتم استدراكُها بسرعة في المستعمرات السابقة، يبحث عن طريقة جديدة للعودة بعدما خرج من الباب الواسع مذموما مدحورا، وقد انبرى في مخابره ليُخطِّطَ للعودة، بطريقة تستجيبُ لمتطلبات العصر الذي لم يعدْ يقبلُ أن تتحركَ الجيوشُ او تُطـلَقَ القدائفُ، بل بالعكس، عودةٌ تُـفتَحُ لها الأبوابُ على مصراعيها.
فالغرب يدرك أنّ الطبيعةَ لا تحب الفراغ، وكان هو بمخابره المظلمة أفضل القنّاصين، ذلك أنه استطاع أن يعرف مواطن الضعف في بلداننا العربية فعاد محمّلا بالأفكار والمساعدات بغية النهوض بقطاعات هو من قرّر أنها بحاجة إلى الدفع ، ولقد عـمَـدَ الغربُ إلى التغلغل بيننا وزرعِ أفكاره في أوساط مجتمعاتنا الفتيّة الباحثةِ عن التغيير والمتطلعةِ لغدٍ أفضل ، ولكن سنكون مُجحِفين لو القينا باللائمة على جمعيّاتنا لكونها آمنت بهذه الأيادي الممدودة بسخاء معتقدة أنّها أياديَ للخير ، ولكن للأسف اكتشفت شعوبنا أنها أيادي السوء، لا يهمها سوى مصالحها على حساب تدمير وتمزيق هذا الوطن العربي وقتل احلام ابنائه في تحقيق التنمية والازدهار والاستقرار .
ولئن سبقت الجزائر بهذا المرصد المجتمعي فإن على الدول العربية كافة الاقتداء بهذه المبادرة والعمل على إنشاء تجمعات أو هيئات أو مراصد للمجتمع المدني ، ولمَ لا توحيدها تحت تكتل جامع يكون بمثابة حائط صد منيع، من شأنه أن يسهم في نشر وعيٍ مجتمعي متكامل يحيط بالرّهانات ويشدد ثقتَهُ في سلطات بلاده ، كما ان وجود جسور بينها كفيلٌ بتشكيل دِرع واقية لهذا المجتمع العربي من اي اختراقات خارجية تهدد استقراره وتأخر مساره في تحقيق التنمية المستدامة .
منتدى الجزائر يمكن أن يشكل اللبنة الاولى وحجر الاساس للدبلوماسية الشعبية الموازية التي من شأنها توحيد الصف الشعبي العربي بمعزل عن الانظمة ومن الأهمية بمكان البناء عليها وتوجيهها بمًا يخدم المصالح العليا للشعوب والاوطان ، كما أن بيان وهران الختامي يمكن أن يشكل ارضية جيدة للدفع بالعمل العربي المشترك انطلاقا من القاعدة الشعبية ، وداعما أساسيا لاصحاب القرار السياسي ، وخاصة ان القادة في منطقتنا العربية التي تزخر بالأزمات ، تحكمهم رهانات وتحديات أكبر ومعادلات جيوستراتيجية تتطلب منهم التعامل بشكل براغماتي في التعاطي مع تجاذبات المحيط الدولي، حفاظا على استقرار الاوطان وتجنيب الشعوب أي هزات أو انزلاقات خطيرة .
ولعل هذا المنتدى الذي جمعنا بوهران هو بمثابة انطلاقة حقيقية لشعوبنا العربية الخلاّقة والمبدعة والتواقة والعاملة والآملة لغدٍ مشرق.

الكاتب: بقلم رضا برويقات إعلامي جزائري مقيم في قطر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى