الحركة الجمعوية …ثقافة التنظيم والتخصص
يلاحظ في التوجه الرسمي الذي يستدعي دورا للمجتمع في مسارات مقبلة من البناء المؤسساتي للدولة الجزائرية الالحاح على اعادة تنظيم الكيان الجمعوي الذي تضرر لسنوات من تمييع ممنهج وتسطيح للأداء وشعبوية في النشاط ومحدودية رصيد قطاع واسع من الفاعلين في التعاطي مع قضايا المجتمع والدولة وبناء الدور الفعال البناء الذي يثري المشهد العام في ابعاده المؤسساتية والمجتمعية ولعل النقاش الوطني الدائر اليوم على اعادة بناء المجتمع المدني وللمفهوم وعاء اصطلاحي ثري مفاهميا لا يحيل بعد إلى اليات للتنفيذ والتجسيد وهذا يشكل في تقديري جزءا هاما من حالة من عدم الاستيعاب للخل الذي طال الكيان والتناقضات التي التصقت لسنوات بالأداء الجمعوي الذي سيس وميع لسنوات وما شذ عن هذا الايقاع وتجاوز هذه الصورة النمطية نماذج جمعوية لها كيانها وطرحها والفاعل فيها نخب وطاقات لها رؤية . من المهم الاشتغال على تاطير المجتمع المدني وتنظيم هذا الكيان بارتكاز على القيم والأعراف التي يستتد اليها الفعل الجمعوي الذي يعتبر احد مخرجات الدولة الحديثة فالمتأمل في تجربة المسار الجمعوي في البلاد يرى مدى الاختلالات العديدة التي طالت العمل الجمعوي في مختلف المجالات وهذا بعد مسار من التمييع الممنهج لنشاط الجمعيات التي التصق بعضها بمصالح ضيقة فئوية وتموقعات لإغراض انتخابية واخرى افتقدت للرؤية واستراتجيات العمل والأداء والبارز ان تعدادا هاما من العناوين الموجودة في الساحة الجمعوية تفتقر لقيادات تؤطر العمل الجمعوي قابل ادائها للقياس فرغم التحاق العديد من الجامعيين من الشباب بالعمل الجمعوي على المستوى الوطني وهذا مشهد بارز للعيان الى ان غياب مقومات وركائز هامة تؤطر برؤية اعمق وببعد استراتجي المجتمع المدني في الجزائر احال المشهد الى ما اسميه ” شتات جمعوي , الاداء المنسباتي , تراجع ثقافة التخصص في العمل الجمعوي وكلها معضلات حقيقية تواجه الفعل الجمعوي ويجب الانتباه الى ان الساحة الجمعوية ثرية بالكم يغيب فيها الكيف ولا يمكن للطاقات الجمعوية المبدعة والتي تمتاز باداء نوعي في المجال الجمعوي ان تصنع ايقاعا خارج الصورة النمطية الحالية الا اذ تم تطهير الساحة الجمعوية من ” الجمعيات المتحزبة و الاخرى التي تمارس بسطحية النشاط دون اسناده لاهداف استراتجية تعزز من قوة الاقتراح لدى الفاعل الجمعوي . اكثر المعطيات اهمية في تحريك المسار الجمعوي ليكون في مستوى التطلعات التي تنشدها الدولة والمجتمع بشكل عام هي الاهتمام بفكر وثقافة القيادة الجمعوية فكفاءة الجمعية تقاس بما تملكه من ” قيادات ” قادرة على التاطير والاقناع والتاثير والتخطيط وبناء حتى لغة اتصال مع الادارة والسلطات قائمة على فصل الدور الجمعوي عن أي كيانات سياسية او فئوية فالقيادة الجمعوية تشكل خطاب كفاءات تؤمن باهداف استراتجية هامة في بناء الدولة واثراء العمل العام ولعل الخلل الموجود في القيادة الجمعوية في قطاع واسع من الجمعيات التي يقودها للاسف من لا يفقه في العمل العام شيئا ولا يحيل نشاطه الى مسار قابل للتامل والنقاش والتقييم فبعض رؤساء الجمعيات الموجودون لا يملكون مستويات علمية مقنعة ويمارسون العمل الجمعوي ب”ثقافة السجل التجاري ” الذي يتم على اساسه جني مصالح مع السلطات والمسؤولين او المساومة والضغط لتحقيق مطالب معينة خاصة وليست عامة دون ان نعمم في هذا السياق فجزء من هذه الممارسات التي لايمكن اعتبارها بالجمعوية ميعت وافسدت الساحة الجمعوية وجعلت حتى السلطات والادارة على المستوى المحلي تتعامل مع هذا النوع من الجمعيات لاعتبارات غير مهنية ولا مؤطرة بل لتحقيق توزنات في الساحة المحلية ثم الوطنية من حيث نشاط المنابر وهذا الذي جعل ايقاع الجمعيات في العمل العام وفي تقاليد وعلاقات الفاعل الجمعوي بمؤسسات الدولة باهتا . يتبع..
د.محمد مرواني.. أستاذ جامعي وكاتب صحفي