قهوة عمي السعيد
وحمدت الله لما وجدت نفسي عند رجال الجيش ، وبعد التحقيق والاعتقال لفترة اطلق سراحي ، كان همي الوحيد ان اخرج واجلس في مقهى عمي السعيد وسط الناس على اطراف الشارع أتأمل الاطفال والنساء والشيوخ، وكل يجري حيث تريده اقدار الله ، وبهدوء اطلب قهوة سوداء قاتمة واداعبها بشفتاي على مهل . واول ما وصلت للمكان تذكرت منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، حين عاشت الجزائر ازمة خانقة في بعض المواد الاولية وعلى راسها القهوة ، حيث اضحت تباع القهوة مرة في الاسبوع وتوزع بالحبات فقط ، ولعل جيل اليوم يعتبر هذه القصة مضحكة .
المهم كان لعمي السعيد قبل ان يفتح مقهاه دكان مهتري مبني بالطوب والحجارة ، لا يفتك عن استخدام الشموع الا نادرا ، لما يتعلق بحساب الدنانير فقط ، وغير هذا يبقى الدكان مظلما ، حتى وان انزعج الزبائن ، الذين اغلبيتهم من الاطفال وذو الفاقة ، كان دكان عمي السعيد على مدار الاسبوع مهجورا ، الا يوم تأتي القهوة وما ادراك ما القهوة ليوزعها على الجيران والاصدقاء ، حيث سطع نجمه واضحى يلقب بسي السعيد نظرا لأنه اصبح الامر والناهي وصاحب القسمة في عدد حبات القهوة ، وفي بعض الحالات كان لا يرد على كل الكل ، لأنه اضحى يبع القهوة بسلع اخرى اجباريا ، كالزيت ، والمعجون ، ولكن لست اتذكر هل هو معجون الطماطم او معجون الاسنان او او معجون الفواكه “المهم شيء يعجن ويوضع بعد الرمل في الطريق عفوا مع الخبز الصابح “
فكر بعض القوم في تلك القرية النائية على مكانتها وقربها للبحر ولمصادر القرار في الحل ، فالرجل اصبح ( يبع غالي ) تواصوا وتناصحوا ، اشار عليهم الحاج توفيق حارس البلدية السابق بالمطالبة بلقاء شيخ القرية الذي يمكن ان يؤثر على سي السعيد ، ولكن ليس في الطلب حب اللقاء ، ولا هموم القرية كما اشيع عند بعض الحريم ، بل لإحراجه امام الناس وفي الخفاء المطالبة بالحبات …نعم حبات القهوة زيادة .
ولكن الشيخ اطال الله في عمره ورزقه الصحة والعافية يحب الاختفاء ، او يجبر عليه لأنه اصبح متعبا جدا ، لقد كبر في السن ، وربما يريد ان يرتاح ، هكذا قال ( من صندوق الخزينة الى صندوق الدفينة ) يومها كنت طفلا لا يهمني شيء ، وكم هم في حالنا كثير كالأطفال ، المهم ان نجد الحلوى وفقط ..يتبع