رأي

المعلم ..بائع الجرائد

كتبت قبل ايام في هذا العمود الصحفي نصا عنونته ” رفقا بتلاميذ المدارس ” تزامنا مع الموسم الدراسي الجديد وتبعات ذلك على نفسية التلميذ واهلها من مشقة تكلفة شراء الادوات المدرسية ، ودعوت فيها اهل التربية ان لايعاقبوا التلاميذ ان تخلفوا في الشراء فليس عليهم تقع المسؤولية عجز وفقر الاباء والامهات .

احد الزملاء ممن افنى عمره في التربية والتعليم وعلى مقربه من التقاعد استفزه ما كتبته ، فخاطبني من يرفق بنا نحن ؟ ، فكان ان ارسلت له هذه القصة وهي حقيقية وقعت في العراق الشقيق تبرز دور المعلم حتى وان نساه الكثير وهاجمته كربات الدنيا ، اذا ان

الدكتور ضياء كمال الدين كبير استشاري امراض القلب في المستشفى الملكي بلندن ، دعي لتكريمه في العراق بعد غياب دام اكثر من 15 عام ، وعند مدخل القاعة لحضور حفل تكريمه استوقفه منظر بائع جرائد كبير السن مفترشا جرائده على الرصيف

اغلق الطبيب عينيه ثم سرعان ما فتحهما … تذكر ملامح هذا الرجل العجوز المحفورة في ذهنه، جرجر نفسه ودخل القاعة ثم جلس غير ان ذهنه بقي مع بائع الجرائد

وعندما نودي على اسمه لدى حلول فقرة تقليده وسام الابداع قام من مكانه ، بيد انه لم يتوجه الى المنصة بل توجه الى خارج القاعة … راح الكل ينظر اليه في ذهول … اما هو فقد اقترب من بائع الصحف وتناول يده فسحب البائع يده وقد فوجئ وقال : “اعفني  يا ابني ماراح افرش هنا مرة اخرى/ اعتقد انه شرطي / رد عليه بصوت مخنوق : انت اصلآ ماراح تفرش مرة اخرى ، أرجوك بس تعال معي شوي … ظل البائع يقاوم والدكتور يمسك بيده وهو يقوده الى داخل القاعة … تخلى البائع عن المقاومة وهو يرى عيون الدكتور تفيض بالدموع وقال : ما بك يا ابني ؟

لم يتكلم الدكتور وواصل طريقه الى المنصة وهو ممسك بيد بائع الجرائد والكل ينظر اليه في دهشة ثم انخرط في موجة بكاء حارة واخذ يعانق الرجل ويقبل راسه ويده ويقول : انت ما عرفتني يا استاذ “خليل “؟

قال : لا والله يا ابني العتب على النظر … فرد الدكتور وهو يكفكف دموعه : انا تلميذك “ضياء كمال الدين” في الاعدادية المركزية … لقد كنت الاول دائما … وكنت انت من يشجعني ويتابعني سنه 1966 ونظر الرجل الى الدكتور واحتضنه

تناول الدكتور الوسام وقلده للأستاذ وقال للحضور : هؤلاء هم من يستحقون التكريم … والله ما ضعنا وتخلفنا وجهلنا إلا بعد إذلالنا لهم … وإضاعة حقوقهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بمقامهم وبرسالتهم السامية … انه الاستاذ خليل علي استاذ اللغة العربية في الاعدادية المركزية … ببغداد …

قصة حقيقية فيها عبرة وفيها رد اعتبار لمن نذر نفسه لخلق جيل من العلماء والاطباء لخدمة المجتمع وليس لتوزيع اموال الشعب على حثالة الشعب من الحرامية والساقطين واللصوص.

بقلم الدكتور ساعد ساعد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى